وضعت رأسها بجانبه فأخذ يتحدث إليها عن يومه الطويل وهو يقلّب قنوات التلفاز ظهرا لبطن ، وعندما أحال النظر إليها كانت تغطُّ في نوم عميق . ابتسم في حنان وطبع قبلة حانية بين عينيها ،واستدار بجسده عنها لتستقر عيناه على الجزيرة الإخبارية . بعد ساعة أطفأ التلفاز وعبثا بحث عن سنة من النوم في مخدته فلم يجد شيئا . تمتم بآيات القرآن الكريم.. الكرسي والمعوذات .مضطجعا ثم مستلقيا دون جدوى فجلس مهللاً.. وسبح.. واستغفر وبعد كل ذكرٍ يأتيه الفاصل الإعلاني المزعج حساب البقالة- قسط الدراجة النارية - قسط ماكينة الكهرباء وفاتورة الكهرباء. !في الشهر الماضي اضطر ليأخذ سلفة بسبب مرض والدته وفي الشهر الذي قبله استدان ليقضي ديناً قديما .يا الله يحتاج إلى نصف عام لا يشرب ولا يأكل فيه هو وعائلته لسداد ديونه. أطلق تنهداته الطويلة وأخيرا أسلم جبهته للسجود لله رافعا شكواه في بكاءٍ إلى الغني الكريم. لا يدري بعدها متى أسعفه النوم! وفي الصباح جلس لتناول فطوره البسيط ،كوب من الشاي وكسرة خبز طرية حامية من التنور ، يلتهم الخبز ويستسيغه برشفات الشاي الحار على صوت أمه التي تقول : لا تنس نحتاج للخضار اليوم ، والسمك ، أنبوبة الغاز تكاد تنفذ ربما لا تستطيع زوجتك إكمال الغداء ! ينصت إليها وهو مشغول الفكر في كم الطلبات التي لا يمكنه تأجيلها أو تقديم بعضها على بعض ، استمرت أمه تلقي عليه قائمة الطلبات : سراج المطبخ يحتاج للتبديل ،وهاك فاتورة الكهرباء ، ثم أردفت هل سددت فاتورة الماء؟ .لاحظت أمه أخيرا أنه لم يرد بكلمة :مالك لا تتحدث ؟ قال : لا تهتمي أمي سأفعل كل شيء لا تهتمي . هل تريدين شيئا آخر ؟ لا...... تسلمْ بني كان الله معك!.. نعم تذكر عمتك ستتغدى عندنا اليوم!
خرج يسابق قدميه وأخرج دراجته من جراشها ووضع إحدى عينيه بداخل خزان الوقود .. هناك القليل .. لابأس ، وصل إلى العمل ، يغرق نفسه في الملفات وفجأة يدخل محمد مبتسما مسلّما ، بعد تبادل التحية قال لمحمد في خجل : بالنسبة للمبلغ.. ولكنّ محمدا قاطعه : لم آت لهذا كنت قريبا فقلت أسلم عليك ! والله زعلت منك نحن إخوة ولا تهتم خذ ما تشاء من الوقت!! . فردّ في امتنان :جزاك الله خيرا . ثم رنّ هاتفه الجوال فحمله وهو يودع صديقه :
- نعم أمي ما الخطب ؟
-الثلاجة بني توقفت ! توقفت تماما ؟؟ رد ّ متعجبا : توقفت ؟
-نعم توقفت فجأة ! فقال : طيب سأحاول العودة قبل الظهر .
بعد مضي عدة ساعات في العمل خرج مستأذنا .وتوجه بدراجته إلى محل صديقه خالد، لكن الزبائن يملؤون المحل بعد عودتين متقاربتين جلس متوترا أمام صديقه تتردد الكلمات في خروجها من فمه .يداه تلمعان بالعرق، صديقه يحاول قراءة ملامح وجهه : تفضل هل من خدمة ؟ أخيرا تتدافع كلماته فوق الطاولة ويده اليمنى تعزف في الهواء بحركات غريبة يسحقه الإحراج سحقا : الثلاجة تعطلت وعلينا حفظ أدوية الوالدة جيدا والحر يشتد يوما بعد يوم ..... كان صديقه يستمع إليه باهتمام بالغ لم يقاطعه حتى قال: هل يمكنك تسليفي عشرة آلاف ريال ؟ على الفور فتح الرجل درج مكتبه وأخرج منه مبلغا ودفعه إليه وهو يقول: هل تريد أكثر قال : لا شكرا . خرج من دكان صديقه متجها إلى مهندس الثلاجات وقال وهو يدفع خمسة ألف ريال للمهندس المشغول جدا: الثلاجة توقفت كما توقعت لها سأحضرها بعد العصر و هذه دفعة أرجوك أسرع في إصلاحها ولكنني لن أكذب عليك سيكون عليك الصبر علي في المبلغ المتبقي بضعة أسابيع ، قال الرجل وهو يحاول إخفاء تضجره من الكلام : إن شاء الله .
توجه إلى صاحب البقالة تحمل قدميه ثقة ملحوظة فقد أنذره قبل يومين بإيقاف تمويله بما يريد لارتفاع مبلغ دينه أكثر مما ينبغي ! نظر في عيني صاحب البقالة بطريقة مباشرة وقال : خذ هذه ثلاثة آلاف ريال ضعها في حسابي وأرجوك إن طلب الأهل شيئا اليوم فلا تمنعهم إياه لأن عندنا ضيوف والراتب بعد يومين إن شاء الله .
قالت زوجته وهو يعطيها الحاجيات هل يمكنك إحضار الزنجبيل أو الشاي الأخضر وأردفت وهي تلاحظ امتعاضه: واحد منهما يفي بالغرض ! قال بدون تردد خذوا ما تريدون من البقالة . قالت :ولكن صاحب البقالة ...... لم يستمع إلى حديثها فقد أغلق باب البيت وخرج مسرعا .
عاد إلى عمله بعد أداء صلاة الظهر وعند الواحدة والنصف وقبل دخوله إلى البيت رسم ابتسامة مصطنعة على شفتيه ودخل وهو يقول أمي ... عمتي.. فاستقبلته العمة في الردهة تعلو محياها فرحة واستبشار ...!