قيامة الرَّبيعُ!
غاضَ النَّميرُ وأقلعَ المتدثـِّرُ
هاجَ الرَّبيعُ فكلُّ روضٍ مُزهرُ
***
مِنْ كلِ دانيةِ القطافِ تورَّقَتْ
وتفتَّقَ العِرقُ البَديعُ الأَخْضَرُ
***
وَتَطاولَ الغُصنُ النَّضيرُ بِأيكةٍ
وتوسَّع الجِذعُ العريضُ الأسمرُ
***
وتَماوجَ العُشبُ الكثيفُ كأنَّهُ
موجُ السَّواحلِ إذ تُرامي الأَبحُرُ
***
وتبسَّم الزَّهرُ البهيجُ نوارُهُ
كتبسُّمِ الحسناءِ حينَ تَخَطَّــر ُ
***
والوردُ رانَ علىَ الخدودِ تَوَرُدا
ً فكأنَّ خمراً بالخَفاءِ تُجاهـرُ
***
سكبتْ شموسٌ صبحَها وأَصيلَها
ذهباً يُجلُّ لهُ العقيقُ الأَحمــرُ
***
فاضت على قممِ الجبالِ مشارقٌ
وكعالمٍ قبستْ بعلمهِ الأسطر ُ
***
سُبحانَ منْ سبكَ الخلائقَ نورَها
وكذا الجميلُ لذا الجمالِ يُؤطِّرُ
***
الريحُ تعزفُ عودَها ووريقَـها
وتآلفُ الألحـانِ كيفَ تُوَتَّـرُ
***
رَقصتْ على نغمٍ جليلُ مرابعٍ
وتأوَّدَ الفـننُ الرَّفيعُ الأمهرُُ
***
وتَقمَّصَ اللَّوزُ البياضَ كأنّّــَه
ُللحجِ أزمعَ رحلةً فيُشمِّرُ
***
الغصنُ غضَّ الطَّرفَ فهوَ مُورِّقٌ
فيفضَحُهُ الرِّيحُ العَشيقُ فيُسْفِرُ
***
أَرِجَتْ على أنحائها الرُّوضُ الَّتي
مِنْ كلِّ زهـرٍ بالرَّوائِحِ تَعبُرُ
***
أنسامُ جنَّـاتِ الخلودِ تنافَحـَتْ
عندَ الأصيلِ تنفَّستْ والعنبرُ
***
وتَضمَّخَ الشَّجرُ المُعرِِّّقُ بالنَّدَى
واستوثَقَ الجَذْرُ التُّرابَ يُغوِّرُ
***
حطَّتْ على الأغصانِ بضعُ بلابلٍ
وتناقلتْ بينَ الغُصونِ تُنـاوِرُ
***
وتَطايرتْ، ساحَتْ لتجتازَ المَدى
وتعـودُ تبني عشَّها وتُعمّـِرُ
***
تشدُو مَعَ الألحانِ آيةَ صُنْعِـها
وتُجيلُ ناراً في القلوبِ وتُسْعِرُ
***
يا لحَنَها عندَ الصَّباحِ ترنَّمـتْ
وتنامُ في لحَنٍ طَريبٍٍ يُسْكـرُ
***
وفراشةٌ في الأيكِ ضلَّ طريقُها
فَتعودُ أزهاراً و أخرى تُكْثـِرُ
***
لَبِسَتْ لأيـامِ الرَّبيعِ عـرائساً
وجناحُها الحُسنُ الَّذي يَتبخترُ
***
ولَقدْ تَعلَّت في الفضاءِ مَنازلاً
فتموتُ طـائرةً ولا تتكسَّرُ
***
والنَّحلُ واصلَ للتّفاني صاعداً
يمتصُّ منْ شَفةِ الرَّحيقِّ فيُقْطرُ
***
هذا الشَّهيدُ إذا تعطَّر شهْدُهُ
بينَ الشُّموعِ زكاهُ مسكٌ أذفرُ
***
لا يستوي الدَّبورُ و النَّحلُ الَّذي
بـنزيفهِِ يُشفي العليلَ ويُطْهِرُ
***
لَعبتْ بأرجاءِ الجِنانِ طفولـَـةٌ
ما كانَ أفتَنَـها تَقـومُ وتَعْثـُرُ
***
فتسابقوا بين الرِّياضِ تَخالَفوا
وتكاثروا وتجمَّعوا وتبعثَّرُوا
***
وتتابعُ العيـنُ الرَّقيبةُ أمُّهـمْ
وأبوهُـم عندَ الوقيـعةِ يُنـذِرُ
***
وتلفَّع الغابُ النُّضارَ عبــاءةً
أزهى مِن الثَّوبِ القشيبِ وأَمْهَرُ
***
وتفلَّتَ الأصحابُ مِنْ فَلَقِ الدُّجى
وتقاطَروا حولَ الغديرِ وثرثرُوا
***
جاءوا على نَسقٍ تَزفُّ عيونهمْ
أفراحَ ما زَهَرَ الرَّبيعُ فأثمـروا
***
جَلسوا على بُسُط الحشيشِ تَخَفُّفاً
وتـآكلوا وتَشارَبوا وتَسامَروا
***
جَلسوا ضُيوفاً فالرَّبيعُ يحوطُهم
كرمٌ لحاتمَ في الطبيعة يَظْهــِر
***
في كلِّ عـامٍ للربيـــعِ قيامةٌ
في كلِّ عامٍ للخـليقةِ مَنْشَــرُ
***
العمرُ أدبرَ إنْ حسبتَ لِطولــهِ
فيطيرُ أسرعُ ما يطيرُ وأقصرُ
***
فانْهَضْ بأعمالِ الصَّلاحِ لعلَّها
تُنجيكَ يومَ يَضيقُ فيهِ المَحشَرُ!