النظرية النسبية و القرآن الكريممقدمة :
سيطرت مفاهيم نيوتن وقوانينه بشكل مطلق على الفيزياء قرابة قرنين من الزمان حيث اعتمدت على عدة ثوابت وهي :
1 – الكون مليء بمادة ذات مواصفات خاصة تدعى الأثير و جميع الحركات تنسب إليها.
2 – الكتلة ثابتة و لا تتغير .
3 – يستطيع الجسم أن يسير بالسرعة التي يشاء إذا أثرت عليه القوة اللازمة .
4 – الزمن مستقل عن الحركة وعن المكان بحيث أنه توجد ساعة واحدة في الكون تنسب الأزمنة لها وهو مطلق ويجري باستمرار من ماض لا بداية له إلى مستقبل غير محدود .
5 – هندسة المكان اقليدية مؤلفة من ثلاثة أبعاد هي الطول والعرض والارتفاع وهو مطلق ويمتد إلى اللانهاية.
و بالتالي يكون الكون وفق الفيزياء الكلاسيكية عبارة عن آلة ميكانيكية كبيرة تسير وفق قوانين ثابتة ويمكننا معرفة مستقبل هذا الكون طالما أننا نعرف القوانين الناظمة له .
وهذا منطق متوافق مع الحس العام الذي يشعر به الإنسان العادي.
ولكن الأمور في الفيزياء لم تكن تتطور وفق أهواء نيوتن وظهرت قوة جديدة على الفيزياء ألا وهي الكهرطيسية .
و في بداية القرن التاسع عشر وعلى يد العالم الإنكليزي الشهير ماكسويل وضعت القوانين الشهيرة في الكهرطيسية ولكن هذه القوانين لم تكن صحيحة إلا في المرجع المطلق الذي وصفه نيوتن .
وعند الانتقال إلى مرجع آخر ( أحد مراجع غاليلو الذي يتحرك بالنسبة للمرجع المطلق بسرعة ثابتة ) فإن هذه القوانين تفقد صحتها ( أي أنها لا تأخذ نفس الشكل ) .
واحتار العلماء بين فكر نيوتن و القوانين الجديدة لماكسويل , ولكنهم حاولوا إنقاذ الموقف عن طريق محاولة تفسير فيزيائية لمفهوم نيوتن عن المرجع المطلق وقالوا إن هذا المرجع المطلق هو شيء فيزيائي مجسد يدعى الأثير ( ether ) وعرف هذا الأثير على أنه جسم غريب من نوعه يتخلل كل الكون و يتصف بمرونة بالغة و صلابة بالغة بنفس الوقت أي أنه لا يتأثر بالحدث الفيزيائي.
وكان من كبار دعاة هذا الأثير العالم الهولندي الشهير هنريك لورنتس الذي لعب فيما بعد دوراً مهماً في ظهور النظرية النسبية .
وهنا قام لورنتس بوضع تحويلات للتوفيق بين فكر نيوتن و قوانين ماكسويل سميت فيما بعد بتحويلات لورنتس ولكنه لم يقدم شرحاً لكيفية توصله إلى هذه التحويلات بحجة الحرص على فكر نيوتن وعلاقات ماكسويل , وتحدث لورنتس في هذه التحويلات عن فكرة جديدة تقول بأن الأطوال المتحركة ليست ثابتة و إنها تتقلص بنسبة معينة .
لقد طرح لورنتس فكرته الجديدة لتقلص الأطوال وفق ما يلي :
لقد تخيل لورنتس أن الجسم الساكن بالنسبة للأثير سيرى الأطوال المتحركة تتقلص أما الجسم المتحرك فإنه سيرى أن الأجسام الساكنة تتمدد أطوالها بالنسبة له .
وبنفس الوقت وبشكل منعزل عن لورنتس توصل العالم الايرلندي فيتر جيرالد إلى نفس الفكرة عن تقلص الأطوال لذلك دعي عامل تقلص الأطوال بحد لورنتس – جيرالد . كان ذلك عام ( 1892 ) .
إذاً هذا هو الموقف عشية ظهور النظرية النسبية .
و الحالة هذه كان لابد من ظهور نظرية جديدة في الفيزياء تستوعب وتجد حلولاً مناسبة للاكتشافات الجديدة .
فظهرت النظرية النسبية على يد العالم الكبير ألبرت أينشتاين في عام ( 1905 ) و أحدثت ثورة علمية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى إذ قامت بقلب مفاهيم الفيزياء الكلاسيكية رأساً على عقب و طرحت بدلاً منها مفاهيم جديدة.
حتى أننا لا نستطيع اليوم طرق بابٍ من أبواب العلوم القديمة منها والحديثة إلا إذا تسلحنا بالمفاهيم الجديدة للنظرية النسبية والمسماة اليوم بالنظرية النسبية الخاصة .
فما هي المفاهيم الجديدة النظرية النسبية الخاصة ؟
1 - تنتشر الأمواج الضوئية في الخلاء بسرعة ثابتة و لا علاقة لهذه السرعة بحركة المنبع الباعث لها ولا بحركة الراصد . وهذا الثبات في سرعة الضوء كان له الأثر الهائل في الفيزياء و لا سيما في مفهومي المكان و الزمان . ( سرعة الضوء هي السرعة الأعلى في الكون ) .
2 - لا مبرر لوجود وسط أثيري يملأ الكون تجري فيه الأحداث وان القوانين الفيزيائية ثابتة في كل المراجع الغاليلية .
وانطلاقاً من هاتين الفكرتين بنى أينشتاين نظريته الجديدة وأوجد قوانين جديدة للحركة وفق نظرة جديدة للزمان و المكان و الكتلة و المراقب الذي يجري التجربة.
وبناءً على ذلك فسَر اينشتاين نظرية ماكسويل في توليد التيار الكهربائي لدى تحرك حلقة من سلك في مجال مغناطيسي و قال :
إن الحركة النسبية للحلقة والمغناطيس هي التي تولد التيار الكهربائي وتحدد شدته .
بينما كان ماكسويل يقول :
أن شدة التيار الكهربائي المتولد تعتمد على الحركة المطلقة للحلقة والمغناطيس عبر الأثير .
لكن ما هو أثر هذا المنطق الجديد لأينشتاين على عالمنا الطبيعي الذي نعيش فيه ؟
تقلص الأطوال :
الطول الحقيقي – وفقاً للنسبية – هو الذي يقاس في الإطار المرجعي ( جملة الإحداثيات وهي الطول و العرض و الارتفاع و الزمن ) الذي يكون فيه الجسم ساكنا , ويتم ذلك بقياس موضعي بداية الجسم و نهايته في آن واحد .
ولكن إذا أردنا قياس طول الجسم من وجهة نظر إطار يتحرك بسرعة منتظمة بالنسبة إلى الإطار المرجعي.
عندها يجب علينا قياس طول الجسم منسوباً إلى الإطار المتحرك , و سنجد أن الطول المقاس في الإطار المتحرك أقل من الطول في الإطار المرجعي والذي دعوناه بالطول الحقيقي . أي أن الطول قد تقلص من وجهة نظر الإطار المرجعي .
وهو تقلص واقعي ودائم .
ويزداد التقلص بازدياد السرعة وينتهي الطول إلى الصفر بانتهاء السرعة إلى سرعة الضوء .
وهذا التقلص يكون جلياً واضحاً في السر عات العالية فالجسم المتحرك بسرعة مساوية ( 0.9 ) من سرعة الضوء يكون تقلصه مساوياً ( 43 % ) من طوله الحقيقي .
تمدد الأزمنة :
إن الزمن في الإطار المتحرك يسير ببطء أكثر من الزمن في الإطار المرجعي .
أي أن المراقب الثابت يرى ساعة المراقب المتحرك تؤخر عن ساعته والعكس صحيح أيضاً وكأن الزمن يتمدد بالنسبة للأجسام المتحركة .
وعليه فأن الساعة المتحركة سوف تقف تماماً عن الدوران إذا بلغت سرعتها سرعة الضوء .
لقد وضح العلم الفيزيائي ( لانجفين Langvin ) ظاهرة تمدد الأزمنة هذه بمثال يعرف حتى اليوم برحالة لانجفين :
لنتخيل صاروخاً ينطلق من الأرض بسرعة قريبة من سرعة الضوء و يجوب الفضاء ثم يعود إلى الأرض فيجد ركاب الصاروخ أن أولادهم و أحفادهم أكبر سناً منهم .
فالصاروخ ومن فيه يتحرك بالنسبة للأرض بسرعة قريبة من سرعة الضوء و يرى سكان الأرض أن ساعات الصاروخ ( نمو الركاب ) تتأخر عن ساعاتهم . وهنا العكس غير صحيح لأن الصاروخ يسير بحركة متسارعة أثناء انطلاقه و بالتالي فإنه يختلف عن الأرض و نقول أن الصاروخ يتحرك بالنسبة للأرض , وتم هذا التفسير في النظرية النسبية العامة ( الجمل المتسارعة ) التي نشرت عام (1915) .
المثال الواضح و الدليل العـملي على ظاهرة تمدد الأزمنة هي الجسيمات الذرية المسماة ( الميزونات )
وهي جسيمات ذات عمر قصير جداً (10^-6 × 2 ) ثانية تنتج من ارتطام الأشعة الكونية بالطبقات العليا من الغلاف الجوي وعمرها القصير يمكنها من قطع مسافة ( 600 متر ) في الغلاف الجوي تتحول بعد ذلك إلى إلكترونات إلا أنه في الواقع تصل الميزونات إلى سطح الأرض قاطعة مسافة قدرها وسطياً ( 10km ) فكيف تثنى لها ذلك وهي لا تملك العمر ( الزمن ) الكافي .
إن هذا التناقض نجده محلولاً ببساطة طبقاً للنظرية النسبية كما يلي :
بالنسبة لهذه الجسيمات فإن سرعتها كبيرة وتبلغ ( 0.998 من سرعة الضوء ) فبالنسبة لها فإن عمرها قصير وتقطع مسافة قصيرة أما بالنسبة لنا على الأرض فإن زمنها يصبح أكبر بحوالي ( 16 ) مرة وهو الزمن الكافي لوصولها إلى سطح الأرض أي أن الزمن قد تمدد بالنسبة لهذه الجسيمات .
إن إحدى الإمكانيات المثيرة للفضول والناتجة عن تمدد الزمن هي السفر عبر الزمن , فعند الاقتراب من سرعة الضوء أكثر فأكثر يستطيع رجل الفضاء مط زمنه على نحو هائل بالنسبة لبقية العالم من حوله .
بالانطلاق بسرعة تقل عن سرعة الضوء (160 كم / ثا ) فقط يستطيع رجل الفضاء أن يقطع المسافة إلى أقرب نجم إلينا خارج المجموعة الشمسية ( أسمه ألفا قنطوروس ويبعد عنا أربع سنوات ضوئية ) في أقل من يوم واحد من زمنه الخاص في حين أن زمن الرحلة مقاساُ على ميقاتية أرضية هو أربع سنوات .
وإذا انطلق رجل الفضاء بسفينته الفضائية بهذه السرعة فإنه يستطيع أن يقوم بجولة حول المجرة بكاملها في زمن لا يتعدى بضع سنوات على ميقاتيته , و يعود بعدها إلى الأرض ليجد نفسه في القرن الأربعة آلاف .
ولكن يبقى السفر عبر الزمن أمراُ لا يتجاوز حدود روايات الخيال العلمي , إذ أن رحلة من هذا النوع تحتاج إلى طاقة تكفي البشرية لملايين السنين.
المتصل الزماني المكاني ( الزمكان ) :
لقد بين هرمان مينكوفسكي ( Hermann Minkowski ) في عام ( 1908 ) أن الظواهر الغريبة كتقلص الأطوال و تمدد الأزمنة تبدو طبيعية إذا أقلعنا عن التفكير بالزمان و المكان كلاُ على حدة , و اعتمدنا بدلاُ من ذلك لهما بنية واحدة هي الزمكان ( Spacetime ) كوحدة غير قابلة للتجزئة .
إن الزمكان ليس غولاُ ذا أربعة أبعاد اخترعه الرياضيون لإرباك الناس , بل هو نموذج للعالم الحقيقي أكثر دقةُ من تلك الصورة التي رسمها نيوتن للزمان و المكان المستقلين فيما بينهما .
إن المغزى من الزمكان يمكن أن يظهر جلياٌ في أمثلة بسيطة كالإمداد الزمكاني للجسم الإنساني .
من الواضح أن للجسم الإنساني امتداداٌ مكانياٌ ( طوله 180 سم ) ومدة زمنية (60 عاماُ ) لذلك يكون له امتداد في الزمكان ذو الأربعة أبعاد .
تظهر الحسابات الرياضية أن تغيراُ طفيفاٌ في مقدار الزمن يكافئ مسافة هائلة جداُ و يعود ذلك إلى الدور المركزي الذي تلعبه سرعة الضوء في النسبية , حيث تمثل هذه السرعة عامل التحويل بين المسافة و الزمن , فالسنة الواحدة من الزمن تقابل سنة ضوئية واحدة من المسافة المكانية ( المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة ) وتساوي عشرة آلاف مليار كيلو متر .
تحول الكتلة :
إن كتلة الجسم في الإطار المتحرك تزداد عن كتلة الجسم في الإطار المرجعي ( الساكن ) أي أن الأجسام المتحركة تكون كتلتها أكبر من كتلتها وهي ثابتة.
لذلك فإنه لا يمكن لأي جسم ذو كتلة بلوغ سرعة الضوء لأن ذلك سيؤدي إلى زيادة هائلة في كتلته وهذه الزيادة الكبيرة في الكتلة دوماً يلزمها طاقة أكبر لزيادة سرعة الجسم ونصل إلى مرحلة أنه يجب إعطاء الجسم طاقة لانهائية ليصل إلى سرعة الضوء وتكون عندها كتلته الحركية لانهائية أيضاً وهذا مستحيل طبعاً .
تكافؤ الكتلة و الطاقة :
لقد بين أينشتاين أن الطاقة والكتلة هما وجهان لعملة واحدة فالكتلة تتحول إلى طاقة و الطاقة تتحول إلى كتلة وفقاً للعلاقة الشهيرة :
Eo = mo . C^2
أي أن الكتلة الساكنة للجسم هي التعبير المادي لما يختزنه هذا الجسم من طاقة ساكنة . وتكتب هذه العلاقة بالشكل العام :
E = m . C^2
وكان من النتائج المروعة لهذه العلاقة هي اختراع القنبلة النووية ( الذرية ) وما تلاها من أسلحة ذرية والتي تدعى اليوم بأسلحة الدمار الشامل .
وأعطت هذه العلاقة التعليل المنطقي لكيفية استمرار النجوم بإصدار الحرارة والضوء لملايين السنين .
حقيقة الأشياء ليست كما تبدو :
مما تقدم تبين لنا أن نظرتنا المألوفة إلى الكون وكذلك للأشياء المحيطة بنا و المبنية على الحس العام يجب أن تتبدل لأن ظاهر الأشياء لا يدل على حقيقتها في غالب الأحيان , و لمزيد من التوضيح نورد بعض الأمثلة :
1 - يوجد ما بين برج النسر الطائر ( Aquila ) و برج الرمح ( Sagitta ) جرم سماوي يدعى النباض الثنائي ( Binary pulsar ) .
و يتألف هذا الثنائي من نجمين نيترونيين كثيفين جداُ يدور كل منهما حول الآخر بسرعة كبيرة مستغرقين ثماني ساعات فقط لإتمام دورة واحدة أي أن سنتهما تساوي ثماني ساعات فقط .
تصدر عن هذا الثنائي نبضات منتظمة من الأمواج الراديوية والتي قام الفلكيون برصدها لسنوات طويلة من خلال التلسكوبات الراديوية ( تلسكوب بورتوريكو ) , و الشيء الملفت للنظر هو ذلك الانتظام الدقيق للنبضات الصادرة عن هذا الثنائي و التي يمكن استخدامها كميقاتية فلكية دقيقة .
هذا الانتظام الشديد لورود النبضات من هذا الثنائي يدل على الخلل في مفهوم الحركة المألوف لدى الحس العام.
فباعتبار أن لكلا النجمين كتلة هائلة و أنهما يدوران حول بعضهما البعض بسرعة كبيرة و التي تعتبر محسوسة بالنسبة لسرعة الضوء فإنه يحصل التالي :
لدى دوران أحد النجمين حول قرينه يقترب تارة من الكرة الأرضية و يبتعد عنها تارة أخرى واعتماداُ على الحس العام نتوقع أن تتسارع النبضات الراديوية القادمة من النجم النباض لدى اقترابه من الأرض وذلك بسبب الدفع الإضافي الذي تتلقاه هذه النبضات من النجم باتجاه الأرض و للسبب نفسه يجب على النبضات أن تتباطأ عندما يكون النجم في حالة الابتعاد عن الأرض .
و بناءُ عليه فإنه يجب على النبضات في الحالة الأولى أن تصل إلى الأرض مبكرة بوقت طويل بسبب سرعتها العالية ( و التي يجب أن تساوي مجموع سرعتها و سرعة اقتراب النجم من الأرض ) وذلك بالمقارنة مع النبضات الواردة في حالة ابتعاد النجم عن الأرض ( والتي يجب أن تساوي الفرق بين سرعة النجم و سرعة الضوء ) و بسبب السافة الشاسعة بين النجم النباض و الأرض فأن لحظات وصول النبضات من النجم إلى الأرض سوف تكون مبعثرة على فترة طويلة من الزمن و متداخلة مع بعضها البعض بشكل معقد للغاية . لكن هذا لا يحدث أبدا .
ليس هناك نبضات سريعة تتداخل مع نبضات بطيئة , وإنما جميع النبضات الراديوية القادمة إلى الأرض تصل بسرعة واحدة و تفصل بينها فواصل زمنية متساوية .
إنه لغز محير ولكن هذه النتيجة تنبأ أينشتاين بها وهي تقع في صميم النظرية النسبية حيث إن سرعة الضوء ثابتة ولا علاقة لها بحركة منبعه وهذا بالفعل ما تؤكده التجربة .
2 – إذا كنت بجانب جسم وأخذ يتحرك مبتعداُ عنك و أخذت بمطاردته , فأنت تتوقع نتيجة لهذه المطاردة أن تأخذ المسافة بينك و بينه بالتناقص كلما زدت من سرعتك و بالفعل إذا بذلت الجهد الكافي في هذه المطاردة فإنك سوف تنجح حتى في تجاوز ذلك الجسم وفيزيائياُ يمكننا القول تعتمد السرعة النسبية بينك وبين الجسم على حالتك الحركية أي الفرق بين سرعتيكما .
ولكن يا ترى ماذا سيحث لو أنك طاردت نبضة ضوئية فهل يمكنك الوصول إليها أو تجاوزها ؟
الجواب عند اينشتاين لا , ولن تستطيع أن تكسب ولا كيلو متراُ واحدا في الساعة بالمقارنة مع سرعة ابتعاد نبضة الضوء عنك , وسوف تظل تجد أن نبضة الضوء تفر منك بسرعة ( 300 ألف كم / ثا ) ولو امتطيت صاروخاُ يسير بسرعة ( 290 ألف كم / ثا ) , فإن نبضة الضوء ستبقى مبتعدة عنك بسرعة ( 300 ألف كم / ثا ) .
ولكن إذا بقي شخص على الأرض يراقب المطاردة فماذا يرى ؟
سيرى نبضة الضوء منطلقة بسرعة ( 300 ألف كم /ثا ) و يرى المطارد منطلقاُ بسرعة قريبة من سرعة الضوء , إذن سيرى أن الفجوة بين الصاروخ ونبضة الضوء تزداد بمعدل يساوي جزءاُ يسيراُ من سرعة الضوء ( 10 ألف كم / ثا ) فقط , ولكن المطارد في الصاروخ سوف يرى أن المسافة بينه وبين النبضة الضوئية تزداد بمعدل ثابت يساوي سرعة الضوء .
من الواضح أن هناك تناقضاُ جلياُ بين ما يراه المطارد في الصاروخ و ما يراه المراقب على الأرض .
الجواب هو أن كل منهما على حق فيما يراه , إذ ليس لمفهوم التزامن معنى كوني شامل , فما يحكم عليه بأنه الآن من قبل راصد ما يمكن أن يكون ماضياُ أو مستقبلاُ بالنسبة لراصد آخر !
تبدو النتيجة مقلقة وغير مستحبة بل ومستهجنة , فإذا كان حاضر شخص هو ماضي شخص آخر و مستقبل شخص ثالث , أفلا يمكن لهم في هذه الحالة أن يتواصلوا بالإشارات و أن يعلم أحدهم أمراُ عن المستقبل قبل وقوعه ؟
و الأدهى من ذلك ماذا يمكن أن يحدث لو أن الشخص الذي أخبر بالمستقبل قام بتغيير هذا المستقبل الذي سبق وتمت معرفته ؟
لحسن حظ الفيزياء و لحسن حظنا أيضاُ لا يمكن أن يحدث هذا.
ففي تجربة الصاروخ السابقة الذكر لا يستطيع المراقبون المختلفون أن يتواصلوا آنياُ لأن النبأ ذاته يحتاج إلى زمن لانتقاله وتكون الحالة قد تغيرت, وللتمكن من نقل المعلومات من المستقبل إلى الحاضر(الماضي ) يجب على الرسالة أن تسافر بسرعة أعلى من سرعة الضوء .
والنسبية تقول أنه ليس هناك في هذا الكون شيء يستطيع التحرك بأسرع من الضوء ولهذا لا يمكن للمعلومات أن تنتقل من المستقبل إلى الماضي.
و بهذا يكون " أن المستقبل و الماضي ليسا شيئين كونيين عامين " , و إنما ينطبقان فقط على الأحداث التي يمكن أن ترتبط فيما بينها بالإشارات الضوئية .
لقد أصبحنا الآن في عالم تبدل فيه منظور الزمان و المكان جذرياُ و نحن بحاجة إلى لغة و هندسة جديدتين تأخذان في الحسبان دور الراصد على أساس عميق .
فماهيم نيوتن عن المكان و الزمان كانت امتداداُ لما نراه و نستشعره في حياتنا اليومية , في حين إن النسبية تتطلب لفهم العالم التجرد و الارتقاء من الحس المباشر إلى الإدراك غير المباشر .
القرآن الكريم و النسبية :
من المعلوم أن القرآن الكريم يحمل كثيراٌ من الإشارات العلمية التي أثبتها العلم الحديث , و المفهوم النسبي له نصيب أيضاٌ فلننظر إلى قوله تعالى في سورة النمل الآية ( 88 ) إذ يقول :
(وترى الجبالَ تحسبُها جامدةً وهيَ تمرُ مرَ السحابِ صُنْعُ الله ِالذي أتقنَ كلَّ شيءٍ إنهُ خبيرٌ بما تفعلون) . صدق الله العظيم .
الآية الكريمة واضحة تماما والنسبية فيها واضحة فإنك عندما تنظر إلى الجبال وأنت على الأرض تراها جامدة في مكانها ولكن بالنسبة لرائد الفضاء مثلاُ فإنه لا يراها جامدة مكانها وإنما يجدها تتحرك بسبب دوران الأرض حول نفسها كما هو معلوم للجميع الآن .
خاتمة:
يقوم اليوم بعض العلماء بانتقاد النظرية النسبية و يدعون بأنهم اكتشفوا بعض الخلل فيها , إلا أنه إلى يومنا هذا لم يستطع أحد أن يضع نظرية أخرى تحل محل النسبية .
ويمكننا أن نقول أنه لقبول أي نظرية جديدة لابد أن تكون صامدة نسبوياً.
ومما لا شك فيه فإن نظريات كثيرة سوف تظهر في المستقبل و تكون أعم و أشمل من النظرية النسبية وتنجح في تعليل بعض الظواهر الطبيعية و تكتشف ظواهر جديدة غير معروفة .
إنها سنة الكون فالعلم يتعثر في طريق تطوره الطويل ولكنه لا يقًع أبدا بل يتابع طريقه بقفزات جبارة .
لذلك فإنه لا يكفي جهد عالم واحد أو مجموعة علماء أو أمة بمفردها لبناء صرح العلم .
فالعلم هو ثمرة لجهود أمم و أجيال وحضارات متتالية و الغاية من كل ذلك هي الوصول إلى الحقيقة و قد لا نصل أبداً ...
ملاحظة :
لي الفخر بأن أكون أول من ربط بين القرآن الكريم والنظرية النسبية بهذا الشكل الأنيق .
المهندس محمد مجد الصاري
رئيس اللجنة الفلكية في نقابة المهندسين بحلب