أيها الشاعر المتزن الرقيق / عبدالله عبدالرحمن
لمستُ هنا مافاض من قلبك من مشاعرٍ تدفقت بعد انهدام السدِّ وتفتقت معها جروحك , ماأجمل العتاب الأخوي فمن هنا أجزمُ أنَّك من أصحاب الدماثة ممن لاينثرون إلا أطايب الحديث وجواهر الشعر
لاأعلم على أي بحرٍ كان قصيدك ؟ ورغم ذلك اقول أنه بحرٌ استطعت الانسياب والغوص فيه بمهارة وسلاسة دون جهد وكأنك غواصٌ ماهرٌ , ثمَّ أنَّ القافية وهي حرف النون الساكنة أطربت مسامعنا فلها نغمٌ مميزٌ
واشعرُ باندماجها مع حديث الكرى والعهد القديم فهي تعطي إحساسًا بالعمق وبمجرد الوقوف عليها بالسكون شعرُ بغصة من ألمٍ أو حزنٍ تجلَّى لنا حتى لو حاول إخفاءه الشاعر .
يا صديقي قل لي أين ؟
أين ؟ ذاك العهد أين ؟
هنا بدأ الشاعر بناء الصديق وهذا دلالة على وفاء وحفظه لأني أشرُ بالمناداة هنا مناداةً تحمل الكثير من الود , ثم بدأ يذكره عن العهد الوثيق وعن رابطة الصداقة المتينة بينهما كأني أشعر هنا ن صديقه رحل عنه
أو جحد هذه العلاقة واستبدله بصديق آخر .
وهنا أؤيد قول الأستاذ صابر في ( ياء ) قل لي , ولو قلتَ مثلا ياصديقي أينَ أينْ ؟ أو أي كلمة أخرى مناسبة تجنبك الوقوع في هذا الخلل
نفثت فيه الليالي
وانطوى في غمضتينْ
الصورة رقيقة وأشعرُ أنها تائهة في فضاء الحزن وقد تحملُ نوعا من الرجاء وأمنية أن يعود الصديق لسابق عهده
كأني تخيلتُ الليالي هنا ثعابينا نفثت سمها في ذاك العهد مما أدى إلى انتهاء مدته
كلمة ( وانطوى ) فيها فخامة وروعة مع التركيب فقد أحسنتَ اختيارها ,وهنا كأنَّ هذا العهد لم يكن من الأساس أو كأنه استمرَّ لسويعاتٍ قليلة وسرعان مااختفى في سرعة غمضة العين
وافترقنا وانفصـلنا
كانفصال الضفتينْ
وهنا صورة أخرى ارى فيها ذكاء , للحق أنت مبدع في رسم صورك بسلاسة وسهولة وبدون تكلف وكأن الإبداع ولد معك , جميل تشبيه انفصالكما بانفصال الضفتين وعلى حسب علمي ورؤيتي أن الضفتين غالبا لاتكون بينهما مسافة بعدية جدا ولا قريبة جدا تكون وسطا , وهذا ماجعلك تتمكن من عتاب صديقك قبل اتساع الهوَّة بينكما اتساعا كبيرا لعل العتاب والتذكير بالعهد ولزوم الوفاء يردُّ إليه عقله فلا يصبح من سفهاء القوم الذين لايحفظون ودا ولاعهدا ودابهم خيانة وغن صادقوا صادقوا لمصالح ومنافع .
هذه الدنيا غـرورٌ
ومتاع رهـن بينْ
وبقاء ليس يبقى
وممات فرض عينْ
وهنا لكأني أقرأ بعض الاقتباسات والمواعظ في معجزة الرسول صلى الله علي وسلم العظمى ( القرآن الكريم ) الدنيا دار متاعٍ وغرور وسنة الحياة لقاء وفراق , وبقاء وممات , ووفاء وخيانة , واتفاقٌ ونكث عهود
هذا شئ لابد أن نؤمن بوجوده في كل عصر .
وأمانيٌ تلاشـت
لبست خفـي حنينْ
وتراءت من بعيد
كسـرابٍ غشَّ عينْ
رائع رائع بحق صور مبتكرة , وكأن الأماني التي رجوت تحقيقها وأمِلت فيها اصبحت خالية الوفاض وهو تفسير ماقلته بأنها رجعت لك بخفي حنين لم تحُز على شئ من غنيمة الصداقة ونبلها .
فبدت تلك عن بعدٍ كوهم السرابِ الذي يخدع عين السائر الظمآن في الصحراء .
حَسِبت فيه مـراداً
فإذا هـوْ صرف مين
نحسب الآتي سيبقى
فإذا بالشـيء دينْ
راقب الله صـديقي
فالمـنايا بينَ بينْ
ثم يُكمل في هذه الأبيات .. ان الأماني في هذا الصديق التي اصبحت كالسراب قد حسبنا أنها ستصل لمرادنا ونجني من عهد الصداقة الخير الكثير والمحبة العظيمة فما من ثنين تحابا في الله واقاما للصداقة معناها من ود وتناصح وصدق وتعاون على البر والتقوى إلا جمعهما الله تحت ظلال عرشه , وختم القصيدة بالتذكير كما بدأها بلفظ الصديق وتذكيره بالعهد أنهاها بالذات اللفظ وتذكيره بان نهاية الإنسان في هذه الدنيا موت
وكانيبه يقول دعنا نستغل أوقاتنا في هذه الحياة في الخير والطاعة ونشر السعادة معا في قلوب من حولنا ؟ فهل لان هذا الصديق واصغى لقلب صديقه واستمع لضميره أم مضى في عنادٍ وجحود !!
تقديري لقلمك الجميل وأحاسيسك الرائعة