المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نور الجندلي
ليسَ مكاني ..
ارتديتُ الثوب الرماديّ المشجّر بالأحمر ، وزيّنته بعقدي اللؤلؤي ..
منذ مدة طويلة لم أرتده ، منذُ عشرين عاماً ............ فقط !
الآن سأفكُّ سجن الغربة ، وأهدم جدران الوحدة ، وأعود للحياة ..
سريعاً ... ضغطت أزرار الهاتف أهاتفُ جمالاً كي يوصلني ..
عبثاً ....... إنه لا يجيب !
ارتديت حجابي وقلبي يطرق ، دعوتُ الله أن ينقذني كمال من ورطتي ..
ولدي كمال .. أرجوك أجب ...
الخطّ مشغول !
تأخّر الوقت ، لكن ... عليّ أن أذهب ..
ليتني أنزلُ فأجد رياضاً ينتظرني أمام البوابة ..
علي أن أسرع أكثر الكلّ هناك ينتظرني ..
آه يا زمن ! ربّيتُهم حتى غدوا رجالاً ، أغدقتُ عليهم ثمرة حبي ، أزهقتُ عمري في عطاء لا يتوقف ، حتى غدوا كباراً ، كبار جداً ...... حتى على أمّهم !
ولدي كمال مهندس عظيم يشارُ إليه بالبنان ، وجمالُ طبيب ناجح يتداوى على يديه نصف أطفال المدينة ، ورياض مدير لشركة عقاريّة ..
في المحافلِ أرفع رأسي فخراً بهم ، ووحدي .... أبكي بحرقة ! فما عدت ألقاهم !
أخذتهم منّي الحياة وهمومها ..
ما عادوا يشتاقون لحضن الأمّ ، وقبلات الأمّ ، ودعوات الأمّ ..ورضاها !
أخبرتهم منذ أيام عن موعدي ..
قالوا سيأتي أحدنا إليكِ في الوقتِ المحدّد ، لا تقلقي أمّي ..
وهاهو الموعد قد حان ..
إلى متى أنتظر ؟! سأذهبُ وحدي ..
آه يا شوارع المدينة ، أتراكِ تسمعين طرقاتِ قلبي ..
الغربة تأكل كلّ خلاياي .. لقد كبرتًُ على المغامرة ، وما عاد قلبي يحتمل الجرأة ..
إنها الوحدة التي ترغمني أن أمشي في شوارع لم أعهدها ، وهي التي تجبرني أن أبحث مثل مشرّدة عن سيّارة أجرة تقلّني ، وهي التي تدفعني لأرجو السائق كي يدور في الشارع المطلوب خمس مرات لعلّي أهتدي إلى بيت قريبتي !
تبّاً للوحدة ! تباً لها .. كم تتعبني !
- سيّدتي .... ألن تجدي المكان ؟
- لحظة واحدة .. ها أنا أبحثُ يا بني ّ! لو كان ولدي معي لأوقفني أمام الباب ..
- ما ذنبي أنا ؟ لقد تعبتُ أدورُ بكِ شوارع المدينة ، أيُّ حظٍّ تعسٍ وضعكِ في طريقي
- أرجوكَ احتملني ، لن أضايقك أكثر ..
- إن لم تجدي المكان حالاً سأضطر لتركك هنا .. على أقرب رصيف ..
- يبدو أن الثوب المشجّر لن يليق عليّ بعد الآن ، ولن أبدو جميلة وأنا أضع على جيدي العقد اللؤلؤيّ ..ولن أهنأ بلقاء عائليّ حميم ..
جدران بيتي أكثر دفئاً !
- كم يزعجني زحام المدينة ، وأكثر من هذا ، الرّكاب الذين لا يعرفون إلى أين يذهبون
- ستحتسي الغربة معي الليلة كوباً من الشاي ، وسنثرثر معاً عن الوحدة ..
- كلما قلتُ لن أقلّ عجوزاً معي في السيارة ، عاودني الغباء لأكرر فعلتي ثانية !اس- سيأتي غداً كعادتهم أبنائي الأعزاء ، يوقفون مراكبهم أمام بوابة منزلي ، وسينزلون محملين بفاكهة وحلوى ، وكأنّ شيئاً لم يكن سيقبّلون جبيني ويديّ ، ثم يغادرون .. لأتخم ألماً ..
- سأتركُ هذه المهنة من الغد وأعمل أيّ مهنة ، أيّ مهنة لا أحتكّ بها بنساء هرمات .
- لا يا ولدي أرجوك لا تزعج نفسك أكثر .. سأضاعفُ لكَ الأجر ثلاث مرات .. ولكن .......
لطفاً منك ............. أعدني من حيثُ أتيت ،فقد أضعت منذ عشرين عاماً مكاني !