نائمة تصخب بالشهيق ، تسكب جهد يومها في نومهـــــــــا العميق . اشغالها تجاه بيتها وأولادها ، وتجاه
وظيفتها جعلتها جثة هامــدة ، تشبه الموتى ، لايفرق بينهما غير شهيق وزفير . نظــر في وجهها المهمل
فعبس كعادته ، مثل الناظر إلى منخفض يابس مكتس بالأشواك ، وأحمال الريح ، وعكس الناظـر إلى سهل
مخضر مزهـر ، يأخذ باللب والنفس إلى نشوة الاستمتاع بالجمال .
لم يطل في عبوسه هذه المرة ، حيث كان يحدق في صورتها المعلقة ، التى تراءت له أنها تنظــــــــر له
بعيني مهاة .. تلك العينان اللتان أوقعتاه في بحرهمــــــا ، حين كان يرشفها رشفا ، وهي تنشب الشاطئ
بقدمين مكحلتين بطعس الرمال ؛ أدار بصره إلى عينيها المغمضتين الخاملتين المطروحتين على وسادة
الافتراق .
خرج إلى الشرفة ، وراح يشغل وحدته - كعادته - بدأب الشارع ، وأطلق بصره يسعى في كل فج وصوب
الجميلات الرائحات والراجعات تظهرن اكثر جمالا في أضواء أعمدة النــور .. كبح بصره طواعية لوجوب
غض البصر .. ثم تركــــه يسعى .. ثم استوقفه عند محل به غلائل نسوة زانت ( المانيكان ) وراح يرسم
للغلائل صورا وصورا في خاطــــــره .
رجع إلى الغرفة .. عاود النظر إلى زوجه .. لعله يجد فيها مايسترضيه ويسر ناظريه ، لم يجد غير رأس
معصوبة ، وملامح مشحوبة ، وأظافر معطوبة ، وكعبين متصدعين ، وجلباب يفـــــــوح برائحة البصل !
تقلقلت أنفاسه في حنجرته ، مثلما تقلقلت شهوته مابين طقوس القبح والجمال !!
عبدالله عيسى