عدتُ كما وعدتُ ..
قصيدة لَبِستْ ثوبَ زفافها وكشفتْ عن وجهها للحاضرينَ فإذا هيَ فلقةٌ من قمرٍ حيثُ بدت متميزة الإطلالة , جميلة الروح , رزينةُ الخُطى , قافيتها حالمة , وبحرها شجُّيٌ ومعانيها وحرفها يمتزجان بالفخرِ المتواضع والشجن , ولاأنسى بأن أقول أنَّ العنوان أضافَ ألقًا على ألقِ القصيدة !
رداءَ الشعر لا تبلى عليّا=ولا تطفئ شموعك في يديّا
ولا تترك فؤادي دون خلًّ=يبث الدمع ليلا سرمديّا
رداءَ الشعر كم ناجاك مني=معانٍ نبضُها ما زال حيّا
تنبّأتُ القوافي مُسْرجاتٍ=فتعدو للنجوم تروم ضيّا
وتهمي للعيون بكل لونٍ=يصوغ الحلم رسما عبقريّا
وللبدر المسافر كم تراءتْ=تسامره وقد أفضى مليا
وتركب في رياح البعد شجواً=وتدنو باشتياقٍ للمحيّا
تهز الوجد بالألحان نشوى=فتثمل دون أن تقتات شيّا
تناجي الزهر بالعطر افتناناً= فتلثم ثغره البكرَ الشقيّا
وتُهدي للشواطئ من خُطاها=بقايا الموج دفاقاً قصيا
تضمّ من الجواهر كل غالٍ=وتحت دثارها تُجري سريّا
وتنسج من خيوط الشمس بوحاً=لتبعث في الوجود لها نجيا
كانت أبياتٌ محلِّقة , تُطلقُ تأمُّلها بصورٍ حالمة , لكم هو لفظك أنيق في قولك ( يبث الدمع ليلاً سرمديَّا ) وكأنه كناية عن طول الحزنِ والوحدة , والرجاء في صدر البيت ( ولاتترك فؤادي دون خل ) يدلنا على عمق العلاقة المتينة بينك وبين صاحبك الشعر الذي تحلَّى بالوفاء والإخلاص وغزارة وده لك , فلا فرَّق الله شملكما .
وفي لفظك ( تهز الوجد بالألحان نشوى ) وكأنَّك ترسمُ بريشة فنَّان بفرحٍ يعكسُ جُرحًا ما !
وهنا أعجبتني رقته التي تعكسُ معاني البراءة والنقاء والدلال ( تناجي الزهر بالعطر افتنانا = فتلثم ثغره البكر الشقيّا ) هذا البيت أشعرُ أنه لوحدة بمثابةِ لوحة ناطقة !
وجميلٌ هذا التصوير أيضا الذي يبعثُ على الراحة والسكينة والحلم الجميل حين تمعُّنه ولربما إعجابي به هو حبي للبحر وأمواجه ( وتهدي للشواطئ من خطاها = بقايا الموج دفَّاقًا قصيَّا )
وهذا ( وتنسجُ من خيوط الشمس بوحًا = لتبعث في الوجود لها نجيَّا ) لم تكتفي بنسج البوح من الشمس بل نسجت حكايةُ الأملِ والابتسامة ..
لكم هي المعاني السامية الكثيرة التي ناجينا الشعر بها وسامرناه الحديث عنها , نبضُ حروفك الرسيلة تجعلُ القارئ يُطلقُ عنانه ليسافرَ معها في رحلةٍ ممتعة حقًّا .
أتذكرُ يا رداءَ الشعر ليلاً=مشيناه بلا خطوٍ سويا
نغني ما اشتهينا من بحورٍ=فتمنحنا من العذب الرويّا
ويسري في جوانحنا صهيلٌ=يداعبنا وإن خلنا خفيّا
ترفرفُ في فضاء الأنسِ جنحٌ=تهدهدنا فنتبعها مُضيّا
تحيط بنا الخمائلُ كاسياتٍ=بإشراقٍ وكان بنا حفيّا
تداعبني القوافي في دلالٍ=أباعدها فتسبقني إليّا
وهنا ذكر الشاعر مسامرته بإيجاز وبملامح واضحة مع الشعر ويحاول أن يُعيد حنين ماضيه مع هذا الخلِّ الصادق الذي كان يُغدقُ عليه بالعطاء ويسكبُ عليه أعذب البحور , ولكم هو جميلٌ إن تعمقنا في النظر هنا وشملنا الكلام عن حق الصحبة التي منها تشجيع الصاحب وبثِّ الأمل في روحه والصدق في نصحه ومشاركته فرحه وحزنه وأجواء مرحه وغضبه , هذه هي المعاني التي قرأتها في هذه الأبيات الزاهرات .
هنا شعرتُ باندفاع قويٍّ والرفعة التي نجنيها من هذه الصحبة إن اتسمت بالسمو والجد في طلب العلا وحسن الخلق ( ويسري في جوانحنا صهيلٌ = يداعبنا وإن خلنا خفيا ) ( ترفرف في فضاء الأنس جنح = تهدهدنا فنتبعها مضيا )
رداءَ الشعر قد أسبغتَ حسناً=ومثلك لم يزل خِلا وفيّا
تدثرني بطهرٍ ذي حياءٍ=وتدفعني لكي أرقى عَليا
وتمنحني الشجاعة كبرياءً=وتخفض لي جناحك يا أخيّا
تؤازرني إذا ما اشتد خطبٌ=وفكري لم يزل رطباً نديّا
عرفتك مخلصا في كل حرفٍ=تراجع دفتري أمراً ونهيا
وتحيا توأماً لي في صفاتي=صدوقاً مذ عرفتك لي صفيّا
رداءَ الشعر لا تبلى فإني=لمثلك لم أجد عندي سميّا
بعد أن ذكَّر الشاعر صاحبه بالماضي الجميل في الأبياتِ السابقة ، انتقل في هذه الأبيات باعتراف فضائل الشعرِ عليه والامتنان له وشكره على ماقدم له وشجعه والثناء على أخلاقه الحميدة , التي ذكرتُ أنها من حقوق الصحبة فيما سبق , وماأجمل هذه الصحبة إن تخللها الإيثار والنصح , وتقديم الصاحب على نفسه بكل تواضعٍ وحب .
شاعرنا الكريم / مروان المزيني
حقا إني استمتعتُ بما قدمت لنا من قصيدةٍ راقية المعنى أنيقة المبنى
فلك كل لتقدير والاحترام
في حفظ الله