يُشعل شمعة صغيرة وجدها فى درج مكتبه أضاءتْ مَد بصره ، رأى نورَها يهتز أمام فم يوسف ، فهى رابع شمعة غُرزت فى تورتة عيده الرابع .
هذا يوم تتفرغ فيه لنا يا أبى .
لا تذهب هنا أو هنا .
نحن أولادك لنا حق عليك ، داعبْنا والعبْ معنا واحتفل معنا بيوسف ، ويوسف يعنف أباه لحد التوبيخ كأنه فى الرابعة والعشرين يستخدم العبارات القوية والجمل التى يسمعها تتردد فى التلفزيون .
لا تذهب اليهم .. لا تتركنا هنا وحدنا وتذهب لتمْرحْ وتسافر مع أصدقائك ، نحن أولى من أصدقائك ، والزوجة تبتسم فى صمت وقور .
لماذا لا تأخذ أجازة من عملك ونسافر معاً الى المصيف ، نريد أن نقضى أوقاتاً طويلة على شاطئ البحر نلعب فى الرمال .
هم يحتاجونه وهو كذلك ، لكنه مشدود لمهام ضرورية ومسئوليات جسيمة يرى عدم القيام به خيانة كبرى فى حق الوطن وحق أولاده الذين لا يدرون ولا يعون أنه لو لم يفعل فعمر المرح معهم قصير ولا أملَ فى اللعب بسلام .
يُؤرقه مشهد أطفال سوريا فى خيام اللاجئين وفى شوارع الدول المُضيفة ، يهبط الدرجَ مُسرعاً بعدَ أن أوصله صديقه المترو كالعادة الى رفاقه الذين يمرحُ معهم كما يظن يوسف .
يشعر بسكين مغروس فى ظهره ويصطدم كتفه الأيمن بيد تغير وجهته .
مكتب وحيد فى غرفة مهجورة .
من أنت ؟
تعرفوننى أنا أبو يوسف ، أخاف على أولادكم كما أخاف على أولادى من مصير رسمته يد الأعداء .
تظن أنك الوحيد الذى تحب الوطن ، هذا وطننا كذلك .
تعالوا اذاً لنضيئه بشمعات أعياد أولادنا ، بالبراءة والحب والوطنية والتسامح والتكافل والمواساه والمشاركة والتعاون بيننا .
أدخلَ يده فى جيبه وأخرج شمعة عيد ميلاد يوسف .. أفكر فى أولادنا .. أولادى وأولادكم ، ماذا سنورث لهم ؛ الحب أو الكراهية ، الرفاهية أو الدمار ؟
ضحكوا
تماجنوا
لم يفطنْ لرائحة البنزين فى الغرفة المهجورة عندما أرادَ اضاءة ظلامها بشمعة يوسف .
كان اللهب يتصاعد والنيران تتغذى على هتافات الكراهية ، واشتعل وهو يقبض على شمعته ، ينظر الى ضوئها يتراقص أمام فم يوسف .