نحو اسلمة الادب والنقد
الدكتورة نادية هناوي سعدون :
يتصدر كتاب (الاسلام والادب) الصادر عن المكتبة الادبية المختصة في طبعته الاولى 1422 هـ قائمة الكتب النقدية المستقرئة للتيارات والمذاهب الادبية الغربية والعالمية على وفق رؤية اسلامية تنتهج افاق الاسلام العظيم وتصوراته ومفاهيمه السمحاء بما يتماشى مع الدعوة الى تحدي فكر العولمة وتداعياته في عصرنا الراهن. فكيف اهتدى المؤلف الى تطبيق هذا التصور وتلك الرؤية على الادب ودراسته؟ وهل يتعارض ذلك مع بعض دعاوى الحداثة والتطور في المنظومة المعرفية العربية؟ لقد حدد الدكتور محمود البستاني مفهوماً أسلامياً للأدب بوصفه لغة جمالية تستبطن هدفاً فكرياً لاينفصل عنها مقابل الاتجاهات الأرضية المنعزلة عن السماء في تصوراتها المتفاوتة حيال ذلك، من حيث عدها هدفاً بذاته او مجرد أداة للمعرفةأو وهماً .ص16. فهل النصوص الابداعية التي لاتخضع لهذا التحديد والوصف او لاتصلح لمثل هذا الرصد ليست ادبية؟ ما دام هناك تساوٍ بين النصوص جميعها ولا فاصل بين نص وآخر؟؟
ولو ان المؤلف افترض سلفاً الفصل بين النصوص السماوية والنصوص الارضية - كما يسميها هو- لكان أجدى في توصيل مضمون المفهوم الاسلامي للمتلقي فلكل واحدة من تلك النصوص خصوصياتها وان كان تمييزه هذا قد جاء في تضاعيف مباحث الكتاب الأخرى وليس في المقدمة.
ويتوزع الكتاب في قسمين حمل القسم الأول عنوان( نظرية الادب) وجاء القسم الثاني تحت عنوان( دراسة الأدب أو النقد الادبي)؛ مع تباين حجم القسمين ففي الوقت الذي شغل القسم الاول ثلثي الكتاب جاء القسم الثاني شاغلاً الثلث الاخير.
استعرض القسم الأول مسالة التوصيل من خلال ربط الأدب بالمنفعة اذ يظل التصور الاسلامي للادب متقاطعاً مع الاتجاهات الارضية الذاهبة الى ان الأدب لغة جمالية وهدف بذاته ومتوافقاً مع الاتجاهات الملتزمة التي تؤكد وسيلته فحسب، الا انه - اي التصور الاسلامي- يفترق بطبيعة الحال عن الاتجاهات الملتزمة بكونه يمتلك مبادئه الخاصة( وهي مبادئ السماء) ما يترتب على ذلك تقاطعه مع التصورات الارضية جميعاً من حيث نمط المبادئ من جانب وانعكاسات ذلك على اللغة الجمالية من جانب آخر ص21.
وعرج في تضاعيف ذلك على (الغموض) في الكتابة النقدية وتعارض ذلك مع احساس الكتاب بالمسؤولية الاجتماعية وقد علل الباحث سبب ذلك بما أسماه( التخمة الثقافية) وعبثية الدراسة ل( مجموعة من المصطلحات المصطنعة والخطاطات والبيانات والرسوم الممزقة لاشلاء النص،ص28. وهنا يقع المؤلف في مفارقة اخرى ، اذ سرعان ما يكتشف القارئ في القسم الثاني من الكتاب- ان المؤلف نفسه قد انساق الى دراسة حداثية لمصطلحات وتقسيمات من قبيل السرد ولغته ومصطلحات البنائية والحوار الداخلي والخارجي والمنقول والزمن الاستباقي والاسترجاعي.. الخ.
وما كان له ان يقع في هذه المفارقة لو انه- وكما قلنا سابقاً- قد فصل بين النصوص الشرعية والنصوص ذات التصورات الوضعية او الارضية- كما يسميها المؤلف.
واذا طرق باب التيارات الادبية التي لاتنتسب الى التصور الاسلامي فهي وليدة ظروف خاصة وبيئات ومتغيرات متعددة.. فانه يقرر حقيقة مفادها( ان التصور الاسلامي للادب لاينتسب الى مذهب ادبي خاص بقدر ما يشكل لنفسه مذهباً مستقلاً نسبياً يتعامل مع ادوات اللغة الجمالية) ص42. والكاتب الادبي اذا ما حاكى واقعاً ما فان ذلك ينبغي ان يكون ضمن رؤية عبادية فقد يكون خلقاً او تجاوزاٍ لواقع ولكنه نموذجي للمبادئ العبادية المطلوبة ص42.
ويقوم التصور الاسلامي لمادة الادب على انها تتكون من المهارة الذهنية في تحويل ما هو منطقي الى جمالي مع ملاحظة تفاوت النصوص الادبية في ذلك، اعني في استخدام اللغة المنطقية واللغة الاشارية وان “ النص “ الشرعي قد نسج صمتاً حيال الظاهرة المذكورة مما يعني انه ترك مبادئ مفتوحة للغة الجمالية.ص48.
ويختلف النظر الى اللغة التخييلية وعلاقتها بالحقيقة والمجاز في التصورين الاسلامي والارضي فاذا كان التصور الارضي يراها تحلية او جوهراً للنص فان التصور الاسلامي يراها اداة لتعميق فهم الحقيقة لكنه لايلغي وجود هذه اللغة في النصوص الشرعية حيث التخيل المرتبط بالواقع الحسي او الذهني او النفسي ص51.
ويندرج التعامل مع اللغة العاطفية ضمن مستويين، احدهما يشكل قاعدة عامة والاخر يشكل قاعدة استثنائية وان التعامل العاطفي يجب ان ينضبط بالبعد العقلي من خلال( طبيعة الموقف والايقاع والصورة والصياغة).
وقد فصل المؤلف بين مادة الادب والمواد الادبية- ولاندري ما الداعي لهذا الفصل- فمادة الادب( اللغة التخييلية والعاطفية والمهارة الذهنية) والمواد الادبية هي( الشخصيات- الحوادث - البيئات- المواقف او القيم).. ربما قصد بالاولى النصوص الابداعية الشعرية والثانية النصوص النثرية.. ثم حدد مقومات النص عموماً ب( الرؤية وموضوعها والدلالة وترتيبها واللغة وتركيبها والبناء وشكله) ص69 -70.
فاذا اراد ان يناقش هذه المقومات وفق المعايير الاسلامية وجدها تنطبق على النصوص الشرعية ( النصوص القرآنية الكريمة والنصوص النبوية الشريفة ونصوص اهل البيت المعصومين).
الا انه حين ناقش كل مقوم وفق الانماط الاسلوبية فانه طبقها على النص القرأني وحده فمثلاً ان الرؤية مباشرة وغير مباشرة ولها انماط محددة وهناك الرؤية المقرضة وان الدلالة تضفي عنصراً جمالياً على اللغة من خلال التقديم والتأخير والاجمال والتفصيل والتوكيد والتكرار والوحدة والتنوع والتقابل وان الصورة بوصفها علاقة بين ظاهرتين لا وجود لها في عالم الواقع بحيث تنتج ظاهرة ثالثة ص149 تتخذ اشكالاً عدة كالتشبيه والاستعارة والكناية.. واختار امثلتها من النص القرآني الكريم.. كما اشار الى مصطلحات حداثية بهذا الشأن كالرمز والانزياح والعدول وابتدع مصطلحات لاتخرج عن التنظير الذي قدمه الموروث البلاغي العربي القديم من مثل المقاربة والتقريب والفرضية والتمثيل والاستدلال والتضمين والمبالغة والاحالة والتجوز والتورية والتسامح وما الى ذلك.. واما اللغة وتركيبها فانها تتكون من تركيب لفظي وتركيب ايقاعي وان البناء في النص القرآني طولي وافقي ومقطعي وادواته التمهيد والنمو العنصري مستشهداً بنصوص قرآنية كريمة.
كما طبق التصور الاسلامي للانواع الادبية على النصوص القرآنية مبتدئاً بالقصة او السرد فاشار الى الشخصية وتعددها والحوار وانواعه.
أما النقد الأدبي بوصفه نوعاً ادبياً يندرج تحته تاريخ الادب ونظرية الادب والادب النقدي فقد حدده من خلال:
1- التعامل مع النص بصفته بنية مستقلة.
2- التعامل مع النص من خلال صلته بالمبدع.
3- التعامل مع النص من خلال صلته بالسياق الاجتماعي.
4- التعامل مع النص من خلال صلته بالمتلقي.
واثار المؤلف تساؤلاً مهماً في هذا الصدد هو” ما النص الذي يصبح موضع تعامل الناقد الاسلامي وهل تقتصر المقاربة النقدية على النصوص الاسلامية فحسب ام تتجاوزها الى مطلق النصوص كالنصوص الانسانية العامة التي تمثل خطاً مشتركاً بين التصورين الاسلامي والارضي والنصوص المحايدة التي لاتتعارض مع مبادئ الله تعالى او النصوص المنحرفة التي تتعارض اساساً مع التصور الاسلامي؟ ص323.
وبذلك يحدد الباحث اربعة انماط او أضرب للنصوص فهناك النص الاسلامي والنص الانساني والنص المحايد والنص المنحرف .. وان مهمة الناقد الاسلامي تتحدد ب:
1- توصيل مبادئ الله تعالى الى الاخرين من خلال كشفه لخصائص النص فكرياً وجمالياً.
2- رفضه التعامل مع النص المنحرف اساساً.
3- تناول النصوص الانسانية التي لاتنفصل في حقيقتها عما هو اسلامي.
4- اما النص المحايد فلا حرج من تناوله جمالياً مع لفت الانتباه على ضرورة تدخل الناقد الاسلامي لأدلجته.
واقتصر الباحث في دراسته للنص السردي القصصي على عنصري الزمن والشخصية من دون الاشارة الى عنصر الحدث والحوار والمكان مكتفياً باحالة القارئ الى كتاباته السابقة في هذا الشأن مثل( دراسات فنية في قصص القرآن) واما دراسته للنص الشعري فحددها بالاشارة الى فضاء القصيدة وتصنيفها الى وحدات دلالية ثم وحدات وظيفية ثم بيان العنصر الايقاعي والعنصر الصوري في البناء الفني للقصيدة.
اما التعامل مع النصوص المتنوعة كالخاطرة او الخطبة او الكتابة فمن الممكن ان يتوفر الناقد عليها بحسب ما تتضمنه من خصائص اللغة الجمالية..
مع ملاحظة العجالة في تناول هذا المبحث ولو ان الباحث تأنى قليلاً لاسيما في تناوله لبناء السورة القرآنية والشكل القصصي فيها او تناوله للنص المعصوم ومقوماته اللفظية والتركيبية.. لكان اجدى في ترصين المادة النقدية وانفع في احكام البنية المنهجية لهذا الكتاب الذي يبقى في مقدمة الكتب الحاملة لهم التحدي للثقافات المستوردة.