عجوز الجزيرة
حكاية شعبية))
رأت الأم فيما يرى النائم إن ابنتها نور العين، قد تم زواجها من الفارس المغوار بن شيخ القبيلة. وفجاءة جاء نسر ضخم، يرفرف أجنحته الطويلة العريضة، فغطى وجه الشمس، خطف النسر نور العين وحلق بها بعيدا.. ألقى بها فى قمم الجبال العالية. ولم يتقدم الفارس لإنقاذها. ولكنه تقدم نحو دهيبون ابنة زوجها، وحملها على صهوة جواده. انطلق بها يسابق الريح وسط أهازيج الغناء والطرب من أهل الفريج. كان الجميع فرحين ولكن أم نور العين كانت تصرخ مستغيثة بهم لينقذوا ابنتها. ولاحياة لمن تنادى .صرخت و صرخت، وهبت فزعة من هذا الحلم المزعج. سمعتها ابنة زوجها دهيبون، التى ماتت أمها اثناء ولادتها، لم ترها ولم تعرف حنان الأم، زوجة ابيها كانت دائما تقسو عليها. منعتها من الذهاب مع الفتيات إلى اللعب والتنزه، وجعلتها تقوم بجميع الأعمال البيت. كانت دهيبون تسكن فى الخيمة مع ابيها فى االبادية ، تأتى بالماء من البئر، وتسقى الحيوانات وتذهب بهن إلى المرعى حيث حشائش الأرض المجدبة، كان أهل الفريج يحبونها لأمانتها وتهذيبها احترامها للكبارمن الرجال والنساء والأطفال تساعد الجميع دون كلل أو ملل. هرعت نحو زوجة ابيها تسالها عما أفزعها فى نومها ، فزجرتها بعنف وصرخت فى وجهها:لاتتدخلى هذا أمر لايخصك.
سرحت أم نور العين بنظرها بعيدا. تجمع شتات أفكارها. نهضت مسرعة، تتحسس مضجع ابنتها، فوجدتها تغطت فى نوم عميق مرسلة شخيرا عاليا من أنفها الكبير. فاغرة فمها المنفرج عن أسنان صفراء. كانت تحمل كل مقومات الدمامة، لذلك كانت تكره شقيقتها دهيبون الجميلة . وتكيد لها وتدبر لها المتاعب ، فتنهال عليها زوجة الأب بالضرب والسب وتخبر أبيها باكاذيب تنشرها حتى يغضب مها دهيبون ويعاقبها.
كانت دهيبون كلما حدثت لها متاعب من شقيقتها وزوجة أبيها. تنام حزينة. فتزورها فى المنام أمها ، تأتيها على شكل ملاك له أجنحة بيضاء فى صورة بهية، تقبّلها وتضمها إليها فى حنان. تواسيها .وتناصحها وتذكرها دائما أنها قريبة معها بروحها تنصحها قائلة لها: الحياة جميلة فلاتحزنى، وتغلبى على مصاعبها بالصبر، وحسن الأخلاق. كونى قوية...إن الله معك
فتطمئن دهيبون ويذهب حزنها وتسعد لرؤية أمها فى المنام.
تكرر الكابوس المزعج، فتوجست أم نورالعين خيفة، وظنت إن هناك من يدبر لابنتها مكروها. وشكّت فى دهيبون التي ظنتها تغار منها، فصارت تفكر ليل نهار كيف تتخلص منها.
ذهبت أم نور العين للمرأة الشريرة، تسكن فى خيمتها وحيدة، فى أقصى مضارب الفريج. وقد عرفت هذه المرأة بالخبث، والدهاء، والمكر. يذهب إليها الأشرار لتدبير المكائد. كانت مكروهة من أهل الفريج. قالت لها بصوتها الأجش: وسط النهر جزيرة العجوز الشمطاء القاسية . لتذهب دهيبون وتقوم على خدمتها.ربما تهلك فى الطريق إلى الجزيرة، ،الوعرة مسالكها ،المحفوفة بالمخاطر وبذلك تتخلصي منها دون إن يدرى أبيها.
فرحت الأم فرحا شديدا ، وقالت لزوجها بعد أن أطعمته وأسمعته مديحا كثيرا عن ابنته دهيبون. وشرحت له حبها لها وحرصها عليها، فهى تريد أن ترسلها الجزيرة، تتعلم فنون الغزل فالجزيرة مشهورة بذلك. وافق الأب وأوصى ابنته دهيبون بالحرص على نفسها والتحلى بالأخلاق الكريمة.
عندما وصلت دهيبون الشاطئ حيث ترسوا القوارب لم تجدها. فقد غادرت نحو الجزيرة وكانت الشمس قد أوشكت على المغيب، فنظرت إلى المياه والأمواج تتلاطم، محدثه صوتا مرعبا. تملكها الخوف .جلست حزينة تنظر إلى صفحة المياه. وقد بدأ القمر يرسل أشعته الفضية، والأمواج تزداد عصوفا. فجاءة قفز تمساحا ضخما وقال لها: دهيبون الطيبة إجلسى على ظهري. حتى أعبر بك إلى الجزيرة
ارتعدت دهيبون من الخوف وقالت له: كيف عرفت اسمى...؟
قال لها: لقد سمعنا عنك من العابرين من هنا. إنك بارة بأهلك.. هيّا..هيّا .
قفزت على ظهره فقطع بها النهر. وصلت الجزيرة. جلست تحت الشجرة تتناول طعامها. من الخبز الجاف.
حطت حمامة أمامها، فنثرت لها دهيبون فتافيت الطعام. قالت لها الحمامة:إنك فتاة طيبة، كريمة هل أنت ذاهبة إلى عجوز الجزيرة ..؟
قالت لها دهيبون: كيف عرفت..؟
قالت الحمامة : تأتى الفتيات ليتعلمن الغزل ولكن العجوز اللئيمة، لاتقوم بذلك إلابعد أن تختبر أخلاقهن، ولكنها ستعلمك الغزل أنت أخلاقك حميدة.
سأعلمك كيف تتعاملى معها. فأنا أحط فوق سقف كوخها كل شروق شمس، لذلك علمت سرها فهى تطلب الخدمات بكلام غير مفهوم لأنهاكبرت فى عمرها وأصابها النسيان.
دهشت دهيبون وقالت للحمامة: كيف ذلك؟
ردت الحمامة :عندما تطلب الماء تعنى الطعام. وعندما تطلب منك إفراغ الجرار تعنى جلب الماء.
فرحت دهيبون وشكرت الحمامة، وعندما وصلت كوخ العجوز، طرقت الباب بأدب وخوف فجاءها صوت العجوز من الداخل تفح مثل الثعبان قالت:حححححححمممممممممم من أنت؟
ــ أنا..دهيبون
ــ ماذا أتى بك؟
فتذكرت وصية الحمامة فقالت :جئت لخدمتك
فسمعت خطوات بطيئة تتجه نحو المدخل فزاد خوفها..
نظرت لها العجوز من تحت أجفانها المنتفخة، وعيونها تلمع مثل عينىّ القط، وفمها خالى من الأسنان وأخذت بيدها بحنان وقادتها إلى الداخل.
وطلبت منها .الماء فاعطتها الطعام، فأكلت وشكرت ثم طلبت منها أن تفرغ الجرار، فملأتها ماء من البئر
وأخيرا سألتها: هل تريد تعلم الغزل الخشن بالوبر والصوف....
فاجابتها: نعم... فجاءت العجوز بالنول والخيوط الناعمة، من الحرير، والقطن الملونة بالأحمروالأخضر والفضى والذهبى. ونسجت أجمل الأقمشة والمفارش.
عند رحيل دهيبون، ودعتها العجوز شاكرة لها طيبتها وتهذيبها واحترامها لكبار السن. وكستها بشال ذهبى زادها جمالا.
عند أطراف الفريج..، رأى الأهالى دهيبون قادمة، ترتدى ملابس موشاة بخيوط ذهبيه ومعها المغزل والحرائر. فرحوا بقدومها فقد حزنوا لفراقها طويلا حتى الحيوانات تركت المرعى لغيابها. وبعد وصولها صارتتنسج الأقمشة للفتيات. وشتهرت وكثر المتقدمين للزواج بها. دب الحسد فى قلب أم نورالعين، فأرسلت ابنتها وذودتها بكثير من الطعام الشهي. عندما وصلت الشاطئ، لم تجد القوارب فصارت تبكى وتصرخ فذعر التمساح وأراد مساعدتها فنهرته قائلة: إذهب بعيدا أيها المتوحش. هل تريد أن تفترسنى؟
صمت التمساح وقفل راجعا داخل الماء يراقبها عن كثب . جلست ثلاث ليال تنتظر المراكب، وعندما عبرت إلى بر الجزيرة . حطت قربها الحمامة لتوصيها. فطلبت منها فتات الطعام، فصرخت فى وجهها:أ مى قالت لى لاتعطى طعامك لحمام الجزيرة.. طيرى بعيدا لن أعطيك شيئا هشششا
طارت الحمامة وحطت على سطح كوخ العجوز تنتظر قدومها. عندما وصلت للعجوز، رفضت تقديم الخدمات والمساعدة غضبت منها العجوز. وسكبت لها القطران والأصباغ على ملابسها وشعرها وجسدها. وأصبحت مسخا ملونا، وطردتها شر طردة. فهربت باكية حيث مضارب الفريج .عندما لاحت قادمة صاح أهل الفريج متسائلين: من فعل بك ذلك؟
فصارت تبكى وتنتحب وأمها تواسيها. وعندما أرادت الفتيات أن يعرفن قالت لهن: إن أمى من فعل بى ذلك. فهى لم تعلمنى إن أكون طيبة مع الأخرين. وأرادتنى أن أكون مثلها ، ملأتني حقدا
. فحزنت الأم وصارت حديث المجالس فى الفريج. فكرت مليا ثم قالت لابنتها:من اليوم علينا أن نتغير يابنتي ، الناس بالناس ويحصد الإنسان مايزرعة. فالنزرع المحبة.. وأنا تعلمت الدرس القاسى وانهمرت دموعها . ومنذ ذلك اليوم ،صارت تحنو على أهل الفريج وتعامل دهيبون مثل ابنتها وبادلوها المحبة. ورحلت عنها الكوابيس المرعبة فى الأحلام وعاشت سعيدة مع ابنتيها دهيبون ونور العين.