عفواً .. مراهقه تكتب مذكّراتها
1- مُذكّرات بِلا مَعنى
أبدأ هنا بكتابة مذكراتي .. اليوم في مساء السبت الرابع عشر من ..... – أعتقد أنها بداية سخيفة لكتابة المذكرات ..!!
حسناً .. أعترف أنني لا أدري كيف أبدأ بكتابة مذكراتي , بل إنني في الواقع أجهل سبب كتابتي لتلك المذكرات !!
هل هي رغبة في نقد الذات ؟ , أم هي رغبة في مداهنة النفس ؟ , أم هي رغبة في رؤية نفسي عبر الورق ؟ , أم هي رغبة في توضيح شخصيتي لمن ستقع تحت يده مذكراتي ؟ , أم هي مجرد رغبة في كتابة تاريخي كلوحة حياتيه من وجهة نظري ؟ , أم هي رغبة في الخلود ؟؟
هممم .. عن ماذا أكتب ؟
أكتب عن تفاصيل حياتي .. عن ما آكل أو أشرب , أكتب عن شجاري مع أخواتي , عن عدد المرات التي غنّيت فيها , لأ أدري أية تفاصيل يجب أن أكتبها .
آآه .. تساؤل آخر , أي تصور مرحلي زمني سأكتب به , هل أصف الأحداث في لحظتها ,أم أكتب ملخص لكل يوم , أم أكتب عن ذكريات أصبحت في طي النسيان .
ما هذا الهراء الذي أكتبه .. لا شك أن أول من سيقرأ تلك الكلمات الحمقاء سيكون رده الطبيعي " تلك الفتاه بلهاء تماماً " .
حسناً .. قليلاً من التركيز سيساعدني بالتأكيد على اختيار نقطة البداية ..
ترتيب الأفكار مهم جداً .. و التحليل النفسي مهم
فتاه متوسطة الحال .. تخطي أول أعوام العشرين ..
ما الذي ستكتبه أي فتاه متوسطة الحال تخطي أول أعوام العشرين ؟!!
جيد .. أعتقد أن هذا سيختصر الكثير بعد استبعاد المواضيع التي لا تصلح
أضف إلى هذا .. أنني فتاه رومانسيه , ساذجة ...
لماذا ؟
ساذجة ..لأني أعتقد أنني لست ساذجة !!
كل الفتيات في سني يعتقدون نفس الاعتقاد !
جيد جداً .. أعتقد أن التحليل النفسي مهم جداً في تلك الحالات , فقد اختصر الكثير من الوقت , هذا يعني أن أبي كان محقاً في شغفه بعلم النفس , على ما أظن أنني قد ورثت عنه شغفه هذا .
هممم .. يجب التنويه إذن أنني أهوى القراءة بشده , يبدو هذا واضحاً من المشاجرات اليومية مع أمي لإيجاد مكان لكتبي التي تهددني أمي دائماً بإلقاءها في أقرب صندوق نفايات . – سؤال اعتراضي غريب .. لماذا لا تتشاجر أمي مع أبي بسبب كتبه التي تملأ غرفة مكتبه ؟ أعتقد أنها تتشاجر معي لتنفيس رغبتها في الشجار معه , أو لأن أبي يخدعني , وإلا فلماذا يهديني بعض من كتبه كل فتره ؟!!! - جدتي قالت لي أن التاريخ يعيد نفسه , أعتقد أن أبي كان بشكل أو بآخر يعاني نفس المشكله - .
فلنعد مرة أخرى لموضوع القراءة , قرأت مره في مذكرات أبي أن الانسان يظل يقرأ ويقرأ إلى أن يصل إلى مرحلة من الامتلاء الفكري , و بالتالي يكون قد بدأ في مرحلة التفريغ , و التفريغ هنا هو الكتابه , فالكتابه تكون بشكل أو بآخر عبارة عن وسيلة لإخراج حالة من النشاط العصبي الزائد الناتجه من القراءه الكثيره والمستمره - تماماً كالنشاط البدني - , لتكون وسيلة راقية للتعبير عن وجهات نظرنا أو لإثبات النفس أو .. لا أدري ولكن هناك متعة ما في الكتابه لن يعرف مذاقها سوى من يكتب .
إذن فمحاولتي للكتابه الآن تعني – حسب رأي أبي - أنني قد وصلت لحاله من التشبع الفكري والذي يجب أن أفرغه في صوره كلمات , على الأقل لإيجاد فرصه لمعاودة القراءه واكتساب خبرات من قراءات أخرى جديده .
عاده أخرى من عادات أبي تضاف إلى رصيد العادات التي قد ورثتها منه , بالإضافه لاسمه الذي يرافقني أينما كنت – لا أنكر أنني أحب اسمه كثيراً .
أعتقد أنكم الآن تتضاحكون سخرية من ذكري لأبي كثيراً , حسناً .. الموضوع ليس كمجمل الفتيات اللاتي تنبهرن بأبيهن دائماً , و أيضاً أنا لست فرويديه .. لا أؤمن بنظرية فرويد السخيفه بأن من المحتم أن الأم تحب الأبن و البنت تحب الأب طبقاً لرغبات حيوانيه مدفونه .
حسناً .. الموضوع مختلف نوعاً ,فأبي رائعاً بحق , على الأقل ليس هذا رأيي وحدي .
قالت لي عمتي أنها كانت تتمنى أن تجد رجلاً مثل أبي كي تتزوجه , وصرحت لي أنها تأخرت في الزواج نسبياً لكونها كانت تبحث عن شخص في مواصفات أبي .
قد تكون تلك مبالغه , ولكني وجدت إجماعاً ما على حب عائلة أبي من الطرفين لأبي , فهم يعتبرونه مميزاً في شئ ما , لا أدري تماماً في ماذا , ولكنه على أية حال كان مميزاً .
أعتقد بأن أبي يشبه أسطوره إغريقية خرجت من قصص الملاحم اليونانيه القديمه , قد يكون هذا سبب شعوره الدائم بأنه غريب !!
أحب في أبي صفاؤه .. نقاؤه .. غموضه .. كلماته .. حبه .. غضبه .. طفولته !!!
مجموعه من المتناقضات تمشي على قدمين .. هذا هو أبي
حدثني أبي أنه واجه مشكله عندما جئت إلى تلك الدنيا , فقد كان عليه اختيار اسم لي – لم أكن أعلم أنني مشكلة منذ اليوم الأول هكذا –
قال الكثير عن أسماء أحببها - تمثل لديه ذكرى ما - كانت في كشف الأسماء الوهمي الذي أحضرها في عقله كي يختار اسماً لي , هناك العديد من الأسماء مثل .. ندا .. أميره .. سلمى .. هاله .. حبيبه .. هويدا .. منى .. ساره .. مريم , لا أذكر بقية الأسماء التي ما زال أبي يحفظهم – لا أدري كيف يحفظ هذا الرجل كل هذا الكم من الأسماء -, ولكنني أتذكر أنني قد قرأت تلك الأسماء في أماكن متفرقه في مذكراته , وإن كنت لا أتذكر طبيعة علاقتها مع أبي .
الغريب أنه قد اختار اسماً آخر , قد يكون هذا ابتعاداً عن أية مشاكل قد تحدث من غيرة أو مشاجرات زوجيه سعيده مع أمي .. فالمرأه هي المرأه , ولو أقسم لها الرجل أنه أحب امرأة من المريخ و قد ابتلعها ديناصور منذ خمسة آلاف عام , فستظل تتشاجر معه كلما رأته يتأمل السماء ظنناً منها أنه يتأمل كوكب المريخ لاسترجاع ذكراها!!! , هذه أسباب تدركها كل امرأه بالتأكيد.. و لا استثني نفسي , فأنا كذلك أيضاً , بل وأزيد أنني سأكسر عنقه إذا ما رأيته يشاهد الفيلم القديم حديقة الديناصورات !!!!
من المحتمل أن تكون أمي لا تزال تعبث في مذكرات أبي – إن وقعت تحت يدها – أو حتى تحاول إيقاعه في الكلام بحيث يعترف لها بأن اسمي هو اسم حبيبة له في الماضي , إلا أن أبي قد صارحني بأن اسمي هو اسم يحبه كثيراً جداً , وعندما سألته عن سبب حبه وإعجابه باسمي , كان رده عجيباً بعض الشئ .
لماذا .. ببساطه لأنه اسماني باسم بطلة روايه قد قرأها في صغره , وقد أحب بطلة تلك الروايه جداً , وظل هذا الاسم مطبوعاً في ذهنه كملاك طاهر يرفرف في ثنيات عقله .
همم .. يعرف أبي كي يتلاعب بالألفاظ والكلمات ليقنع بها من أمامه .. بيد أن نظراته الصادقه توحي بأن كلماته صحيحه وصادقه بالفعل .
ياااااااه
هل أنا من كتبت كل تلك الصفحات ..؟!! يا إلهي ..
لو كان أحداً معي يقرأ ما أكتب لكن مات من الضجر , أو أوثق يداي في أحد المقاعد كي أكف عن تلك الثرثره الكتابيه .
المشكلة الحقيقية أن لا يوجد أحد لتقييم مدى فشلي في ما كتبته , لأنني لا أقوى على إطلاع أي شخص على تلك الأوراق .
حسناً .. سأتوقف الآن .
ها قد انتهت أول محاولاتي الفاشله في الكتابه.
و لا أدري إن كنت سأكتب مره أخرى أم لا .. ولكنها ستصبح على الأقل أول محاولة للكتابة في حياتي .
فدوى أحمد فؤاد
السبت
14 / 10 / 2028