(حو السينما النظيفة) الجزء الأول
حينما تردد علي أذني كثيرا قول العديد من الصحفيين و المثقفين و بعض النخبة عن" السينما النظيفة" وقعت في حيرة كبيرة، بل لعلّي لا أنكر أن الأمر استفزني نتيجة عدم قدرة عقلي القاصر و ثقافتي المحدودة الضحلة- التي أتمتع بها- علي استيعاب ما يقصدونه بكلامهم… فماذا يقصد هؤلاء القوم من قولهم" السينما النظيفة" ؟
أيقصدون بها تلك السينما الخالية من الأوساخ و الأوشاب؟ أم هي السينما التي يحرص أصحابها علي غسلها بأحدث مساحيق الغسيل؟
لا أنكر أني وقعت في حيرة كبيرة نتيجة عجزي، بل فشلي التام في فهم مثل ذلك الاصطلاح العصيّ؛ حتى لقد تأخرت حالتي الصحية نتيجة امتناعي عن الطعام، بل و ساءت حالتي النفسية حتى كدت أن أجن، و صار الجميع يرونني بملابسي المبعثرة غير المهندمة بعد أن كانوا يضربون بي المثل في الأناقة، إلا أن أحد الأصدقاء المخلصين أشار علّي مخلصا بعدما عرف السبب فيما أنا فيه من حالة يرثي لها أن أبحث عن معني قولهم هذا في المعجم علّه يشفي غليلي و يريحني مما أنا فيه، ففعلت علي مضض..
السينما النظيفة و السينما غير النظيفة
نظف- نظافة فهو نظيف أي نقي من الدنس و الجمع نظفاء، و نظّفه أي نقاه، تنظف أي صار نظيفا و يقال فلان يتنظف أي يتنزه عما يشين و يترفع، و استنظف الشيء أي أخذه نظيفا، و المنظفة هي ما ينظف به، و النظيف هو ما لا قذر فيه، و يقال هو نظيف الأخلاق أي مهذب.
و" السينما النظيفة" هي ما لا معني لها لا في معجم و لا في أية لغة من اللغات الحية أو الميتة اللهم إلا في عقول هؤلاء الذين ابتدعوا العديد من الاصطلاحات الجديدة علينا مثل" السينما النظيفة"، و"سينما الأسرة"، و"سينما لا تخجل منها أنت و أسرتك"، و ما إلى ذلك من هذه الاصطلاحات التي خرج بها علينا في الآونة الأخيرة بعض أهل الفن و الصحافة- الجاهلين أساسا بمعني الاصطلاح و الفن السينمائي- ليصدعون بها رؤوسنا ليل نهار.
فما المقصود من قولهم هذا؟ هل هي السينما غير القذرة التي لا تشوبها الأوساخ و الأدران كما سبق أن قلنا؟ إنها بهذا المعني تجعلنا نضرب أخماسا في أسداس للبحث في تاريخ السينما المصرية بل و العالمية أيضا عن تلك السينما التي تملؤها الأدران، إلا أنني بعد بحث طويل أرهقني كثيرا لم أستطع العثور علي مثل تلك السينما مما جعلني أجزم بأنني أخطأت التفسير و أن المقصود من ذلك المصطلح الجديد هو السينما المستقيمة الخالية من أية أفكار مؤدلجة تحاول التنظير للفكر اليساري أو اليميني، إلا أنني بعد بحث آخر مضني لم أتحقق من صدق ما ذهبت إليه فوقعت في حيرة كبيرة حتى هداني تفكيري القاصر بعد العديد من المحاولات و التجارب التي تهجدت فيها للمولي عز وجل أن يهديني إلى الحقيقة- فالتزمت منزلي و جعلت أصلي لله ليل نهار، بل و تركت لحيتي و ارتديت الجلباب و السروال و زهدت الدنيا و من فيها- فهداني الله إلى أن المقصود من قولهم هو السينما التي يمتنع فيها اللمس بين الرجل و المرأة- محافظة علي السلوك العام و من ثم الوضوء- فأدركت أنهم أخطأوا التعريف عن غير قصد- لأن الأعمال بالنيات- و أنهم قصدوا في المقام الأول اصطلاحا آخر خانهم فيه التعبير و هو" سينما ممنوع اللمس"..
علّ مثل هذا الاتجاه الجديد و الذي بدأ يطفو علي السطح منذ فترة ليست بالبعيدة قد بات يمثل اتجاها قويا يرسخ لمجموعة من الأفكار و القناعات الخاصة التي بدأت تفرض نفسها فرضا علي العديد من أفراد المجتمع مثقفين و غير مثقفين، و لعلنا إذا ما حاولنا الرجوع إلى البدايات الأولي لمثل هذا الاتجاه المتجهم في خطابه و نظرته للمجتمع لألفينا أنه قد وجد تربته الخصبة الصالحة للنمو منذ أواخر السبعينيات و البدايات الأولي للثمانينيات من القرن الماضي حينما حاول الرئيس الراحل" السادات" ضرب خصومه من التيارات الأيديولوجية المختلفة بعضهم ببعض و من ثم فقد بدأ يضخم من الاتجاه السلفي الديني الذي يتميز أغلبه بفهم الدين من خلال منظوره الخارجي- أي القشور- في مقابل الاتجاه اليساري- و المد الشيوعي- الذي بدأ يتعاظم أثره في المجتمع، و هنا قويت شوكة هذا الاتجاه السلفي؛ فبدأ خطابه الديني يتجه نحو الجهامة و القسر بدلا من الدعوى بالحسنى؛ فأدي ذلك إلى رؤيتهم للمجتمع من خلال منظور خاطئ يري في معظم أفعال الآخرين حراما و عيبا و غير متوافقة مع آداب المجتمع، ثم سرعان ما انسحبت مثل هذه الرؤية الضيقة- نظرا لأنهم يرون أن الدين قادر علي فهم كل أمور الحياة و هضمها و من ثم التدخل فيها بقانونه و منطقه الخاص- علي السينما فرأوا فيها هم و غيرهم من المتحفظين و المحافظين و غلاة الأخلاق شرا لا بد من استئصاله و من ثم القضاء عليه نظرا لأنها من وجهة نظرهم تدعو إلى الفاحشة و الخطيئة و الفسق بما تصوره و تقدمه لهم من مشاهد عري و ابتذال و قبلات و ما إلى ذلك مما يعتقدونه هدما للمجتمع و أخلاقياته و تقاليده البالية المتعارف عليها منذ القدم- علي الرغم من كون ما تقدمه لنا السينما ليل نهار نمارسه جميعا في حياتنا كل يوم بل و كل ساعة، بل و علي الرغم من أن السينما فيما تقدمه لنا لا تقصد قصدا عمديا في تقديم الجنس لنا- علي افتراض تقديمه- كما يرونه هم، بل إن الأمر مجرد منطق خاص للسيناريو لا يمكن أن يتم سوي به لأنه من أساسيات العمل الروائي-.
و بذلك رأينا عام 1986 قضية من أغرب القضايا التي ظهرت في المجتمع المصري و التي قصد بها فرض الرقابة الاجتماعية علي السينما المصرية- فصار هناك رقيبان خارجيان هما المجتمع و الرقيب علي المصنفات، هذا فضلا عن الرقيب الداخلي- حينما أثيرت قضية الفعل الفاضح العلني* عند عرض فيلم" للحب قصة أخيرة" للمخرج العبقري" رأفت الميهي" فتقدم البعض ببلاغ للنائب العام يفيد بأن هناك فعلا فاضحا تم بين" يحيي الفخراني"، " معالي زايد" الأمر الذي جعل المخرج و الفنانون يدافعون فيه عن أنفسهم باعتبار أن مشهد الفراش و اللقاء الجنسي الحميم كان من صميم العمل؛ حيث كان الزوج مصابا بمرض في القلب و عليه فانه يترتب علي لقائه مع زوجته الكثير من أحداث الفيلم، و علي الرغم من مرور القضية بسلام حيث تمت تبرئة كل من" معالي زايد" ،" يحيي الفخراني" من التهمة الجديدة بل و الشاذة التي وجهها لهم المجتمع صاحب القيم الجديدة، إلا أنها سرعان ما عادت تطفو علي السطح مرة أخري حينما تقدم البعض ببلاغ آخر للنائب العام ضد" ممدوح وافي" ،" معالي زايد" أيضا عند عرض فيلم" أبو الدهب" 1996 للمخرج" كريم ضياء الدين" ، بل و حينما تقدم أحدهم ببلاغ ضد "يسرا" لأنها تظهر في أفيشات فيلم" طيور الظلام" للمخرج "شريف عرفه" 1995 بصورة غير لائقة تخدش الحياء العام، حتى لقد صار الأمر و كأن الجميع بدءوا يترصدون السينما المصرية بل و يبحثون فيها بالمجهر عما يتعارض مع معتقداتهم الخاصة و أخلاقياتهم كي يبدأون في إثارة الضجيج و من ثم اتهام السينما بعدم نظافتها و رغبتهم في سينما أكثر نظافة لا يشعرون فيها بالحرج من أولادهم و بناتهم حينما يدخلون لمشاهدتها.
و هنا بدأت تظهر لنا طائفة جديدة من مشاهدي السينما الذين يحرصون علي دخول دور العرض ليس لمجرد المشاهدة بل للبحث و التنقيب عما يرونه ليس نظيفا و من ثم يبدأون في الصياح و الضجيج بأن ما يقدم لا بد من إلغائه و حذفه بل و تفعيل دور الرقابة- التي هي تخنقنا بالفعل يوما بعد يوم-.
ثم لا يلبث أن يخرج علينا أحد مقدمي البرامج الذي يعمل بمجال الصحافة الفنية و الذي كنا نظنه إلى حد كبير علي درجة لا بأس بها من الوعي- بل و يفعل مثله العديد من الإعلاميين و غيرهم الذين لم نكن ننتظر منهم ذلك- ليتساءلوا عن السينما النظيفة و غير النظيفة، و كيف نستطيع القضاء علي تلك غير النظيفة- و كأنما الأمر قد صار قضية نوعية من أفلام البورنو التي تقدمها السينما المصرية- فنري ذلك المقدم يسأل الفنانة الشابة" منة شلبي" ليقول لها( هل تعتقدين أن سلوكك يتناقض مع آداب و أخلاقيات و تقاليد المجتمع؟) أو ما هو يعطي هذا المعني، مما جعلها تتنمر و تنظر إليه مستفزة لتتساءل( ماذا تقصد بالضبط من سلوكي و عادات و أخلاقيات المجتمع؟).
بالطبع مثل هذا التساؤل من قبل" منة شلبي" و مثل هذا التحفز الذي ظهر علي قسماتها وقت سماعها للتساؤل كان في محله و نلتمس لها فيه الكثير من العذر؛ لأنه سبق و تم سؤالها لماذا رفضت الأدوار التي عرضت عليها في فيلمي" الساحر" للراحل" رضوان الكاشف" 2001 ثم " مواطن و مخبر و حرامي" للعبقري "داود عبد السيد" 2001 ، ثم لأن الجميع بدءوا يحصرونها و من ثم بوتقتها في حيز ضيق يكاد أن يخنق موهبتها الناضجة و هو حيز الإغراء، ثم لأن المجتمع حولها يكاد أن يتهمها من خلال نظرته الانغلاقية الضيقة النابعة من الجهل التام و الخطاب الديني المتجهم- الذي لا يكاد يري في السينما و الفن سوي الضلال الذي لا بد من القضاء عليه- بأنها فاسقة أو خارجة عن العرف الاجتماعي..
كل هذه العوامل متضافرة جعلتها ذات مرة و في غير حديث لها تحاول التجمل أو فلنقل التنظف و من ثم التحلي بصفات الرياء الاجتماعي الذي هو اتجاه "برجماتي" بحت- يحاول خداع المجتمع حوله بإعطائه الصورة التي يرغبها و يشتهيها في مقابل الفوز باحترام و تأييد ذلك المجتمع الذي بدأ يسيطر فيه بعض شرائح الطبقة الوسطي من أنصاف المتعلمين و الجهلة- فتقول أنها رفضت مثل هذه الأدوار في البداية لأنها تحتوي علي بعض المشاهد التي تخجل من كون والدها أو شقيقها أن يراها فيها، و حينما تم سؤالها عن هذه المشاهد و هل المقصود منها القبلات؟ نراها تقول بملء فيها" طبعا" *و كأن ما تؤديه من مشاهد سينمائية- من المفروض أنها محض خيال يبتعد كثيرا أو قليلا عن الواقع المعاش- عيب لا بد من التبرؤ منه.
و بذلك نري الجميع من حولنا قد أصيبوا بحالة ميئوس منها من "الشيزوفرانيا" الاجتماعية فيقولون ما لا يفعلون، بل و يسلكون سلوكا ما ثم سرعان ما يتبرءون منه نظرا للحلقة الملتهبة بل و الجهنمية التي يضيقها المجتمع حولنا يوما بعد آخر.
إلا أننا علي الرغم من التماس العذر لفتاة في مقتبل العمر لم تعرك الحياة بعد، و لم تتكون لها قناعاتها الخاصة التي تستطيع من خلالها الدفاع عن سلوكها و من ثم فنها الذي تقدمه لنا مثل "منة شلبي"، فنحن لا نستطيع علي الإطلاق التماس مثل هذا العذر لمقدم ذلك البرنامج الذي يحاول السير في ذات الطريق و من ثم انتهاج نفس النهج الذي يفكر به مثل هؤلاء- المسطحي بل و المنعدمي الثقافة- الذين يتحدثون مثل هذا الحديث- و كأنه لا بد أن يكون فردا من أفراد الجوقة حتى لا يشذ عنهم فيتم لفظه من الجماعة التي هي الجزء الأعظم من المجتمع- و يتوجهون إلى السينما بمثل هذا الخطاب إلا إذا كان الأمر بالنسبة له أيضا مجرد" برجماتية" محضة يحاول من خلالها تجميل صورته أمام الجمع و من ثم تبرئة نفسه من اتهام موافقته علي ذلك الفن السينمائي الذي هو عيب و حرام و مقزز بل و يقدم لنا كل ما يحاول هدم الأخلاق- من وجهة نظرهم-.
إلا أن التساؤل الذي لا بد أن يطرح نفسه هنا هو إذا كانت أفلام مثل "الساحر" للراحل "رضوان الكاشف" 2001 ،" مواطن و مخبر و حرامي" للعبقري "داود عبد السيد" 2001 ، "عرق البلح" للراحل "رضوان الكاشف" أيضا 1998 ، "سوق المتعة" للمخرج "سمير سيف" 2000 ، "مذكرات مراهقة" للمخرجة "إيناس الدغيدي" 2002 و غيرها من الأفلام تعد من قبيل السينما غير النظيفة فما هي السينما النظيفة من وجهة نظرهم؟ هل هي "اللمبي" للمخرج "وائل إحسان" 2002 ، "55 إسعاف" للمخرج "مجدي الهواري" 2001 و غيرها من الأفلام التي لا نري لها مضمونا علي الإطلاق يستطيعون من خلاله أن يقدموه لنا؟
بل و السؤال الأقوى الذي لا بد أن يطرح نفسه هنا هو هل مثل هذه الأفلام التي تقدم لنا "اللمبي" و غيره من الممكن اعتبارها أفلاما نظيفة علي الرغم مما تقدمه لنا من نماذج مشوهة شديدة التأزم للشباب من مساطيل يمسكون المطواة ليل نهار و يعتبرون البلطجة أسلوبا و نهجا خاصا للحياة لا بد منه مما قد يؤدي إلى نشأة أجيال كاملة تتخذ من "اللمبي" و غيره نموذجا لها لا بد من الاحتذاء به؟
أم أن الأمر قد صار مجرد مغازلة الجمهور الجديد نوعا علي السينما المصرية الذي بدأ يرتاد دور العرض و الذي يرغب في سينما جديدة متشنجة خالية من الملامسات؛ فبتنا نري الإعلانات علي العديد من الأفيشات لتقول لنا بكل صفاقة " فيلم لا يخدش حياء الأسرة" ، " فيلم تستطيع أن تشاهده أنت و أسرتك" و ما إلى ذلك من تلك الرسائل الموجهة إلى نوعية خاصة من الجمهور المتشنج الذي يرفع شعار "سينما اللاملامسة" أو " سينما ممنوع اللمس" ؟
و بمثل هذا المنطق العجيب فهل يعد فيلم "أبي فوق الشجرة" للراحل "حسين كمال" 1969 من قبيل الأفلام غير النظيفة نظرا لما يكتظ به من قبلات متعددة و حارة بين "عبد الحليم حافظ" ، "نادية لطفي" ، "ميرفت أمين" أم يعد من قبيل الأفلام النظيفة؟
من الضروري بناء علي ذلك إعداد قائمة لرواد السينما غير النظيفة مثل "أبي فوق الشجرة" للراحل "حسين كمال" 1969 ، "أعظم طفل في العالم" للمخرج "جلال الشرقاوي" 1973 ، "المذنبون" للمخرج "سعيد مرزوق" 1978 ، "قطة علي نار" للمخرج "سمير سيف" 1976 و الذي تناول رواية عالمية للروائي الأمريكي "تنيسي وليامز" و هي رواية "عربة اسمها اللذة" و الذي تكمن عدم نظافته في تركيزه علي موضوع " العلاقة المثلية" باعتبارها أحد محاور الفيلم الأساسية، "أرجوك أعطني هذا الدواء" للمخرج "حسين كمال" 1982 و الذي تناول رواية شهيرة "لاحسان عبد القدوس" تصور زوجة شابة يعجز زوجها-رغم براعته- عن منحها الإشباع الجنسي الكافي مما يسبب لها اضطرابات عصبية و نفسية تضطر إزاءها لاستشارة طبيب نفسي تسعي إلى إقامة علاقة جنسية معه بعد ذلك، و جميع أفلام "إيناس الدغيدي" و الراحل "حسن الإمام" لنخرج من تلك القائمة بأن جميع مخرجي السينما المصرية كانوا من رواد السينما غير النظيفة، بل و أن كل تاريخنا السينمائي لا بد من حرقه و التخلص منه نظرا لعدم نظافته.
إني أفهم جيدا أن السينما كفن له خصوصيته؛ فهو لا يقتحم علي المشاهد بيته كي يراه عنوة كما يفعل جهاز التليفزيون، بل هو فن بعيد تماما عن المشاهد العادي.. يتجه إليه بعض هؤلاء الذين لديهم القليل أو الكثير من الحس الثقافي السينمائي الخاص كي يدفعون أموالهم التي يقتسمونها من قوتهم و قوت أولادهم في مقابل بعض السويعات التي يرون فيها الفن الذي يقتنعون به، و بهذا يخرج الفن السينمائي من دائرة التسلية و إزجاء وقت الفراغ إلى دائرة أخري أوسع و أشمل و هي دائرة الفن الراقي الذي يقدم لنا صورة بصرية و سمعية بل و قصة خاصة و حياة متخيلة تهدف إلى غرض ما من الأغراض إما لمعالجته أو لتسليط الضوء عليه من أجل الانتباه له، و لعلنا رأينا "أسرار البنات" للمخرج "مجدي أحمد علي" 2001 و أدركنا جيدا أن مثل هذه المشكلة التي حاول "مجدي" تسليط الضوء عليها هي مشكلة ماسة موجودة في حياتنا إلا أننا نحاول عامدين إغفال النظر عنها ربما لعيوب و تشوهات في التربية المجتمعية الأولي لنا أو لقصور و عجز ما فينا نحن.
بل إن أفلام "إيناس الدغيدي" و التي يتهمها الكثيرون بكونها تقدم الجنس المجاني في أفلامها تحاول من خلال ما تقدمه دائما علاج العديد من المشكلات أو فلنقل مجرد تسليط الضوء علي بعض المشاكل الحقيقية التي نحاول جاهدين تجاهلها واضعين رؤوسنا في الرمال لأن مثل هذه الأمور- من وجهة نظر المجتمع الضيق الأفق- لا يصح أن نناقشها علنا هكذا بل إن مناقشتها لا يجب أن تتم إلا في غرف النوم المغلقة و من ثم تكون الطامة الكبرى حينما نفشل في علاج مثل هذه الأمور.
فهل بعد ذلك يصر البعض علي وجود سينما نظيفة أو سينما ممنوع اللمس في مقابل سينما أخري غير نظيفة ملطخة بالأوشاب؟
محمود الغيطاني
هوامش
* للمزيد أنظر مقال الناقد السينمائي "هشام لاشين" (الجنس و الرقابة في السينما المصرية)- مجلة القاهرة- العددان169-170 –ديسمبر –يناير 1997
* أنظر التحقيق الهام الذي كتبه "وائل عبد الفتاح" بعنوان "المتفرج الأعمى بين الصورة الشرسة و صورة لا تخدش قناع الحياء" في مجلة سينما الصادرة في فرنسا- العدد15 – يناير2003 – المجلة ص 50 حتى 55 – مصدر سبق ذكره.