تقديم هشام النجار
لا داعى لذكر مناسبة هذه القصيدة التى كتبها أمير الشعراء أحمد شوقى بمداد قلبه وهو يدعو الله تعالى لمصر الكنانة ، فلن نجد مناسبة أنسب مما نحن فيه اليوم ، وما تواجهه الأمة وما نخشى على مصر من مصير ، نسأله جل شأنه اللطف فيه .
يكفى أن نعرف فقط أنه كتبها عندما تعرض سعد زغلول باشا لمحاولة اغتيال فى عشرينيات القرن الماضى ، فما بالك اليوم وما قول شوقى ومصر بأسرها تتعرض لعملية اغتيال مدبرة ومحكمة ، أعطى العدو لكل أخ سكيناً وحرش بينهما بخبث ودهاء شديدين ، ليغنم بكل شئ دون مجهود وخسائر تذكر لديه .
بهذه البساطة والسهولة تضيع أمة ؟
تنهار حضارة ويُمحى تاريخ وتراث ورموز وأجداد وثقافة علمت العالم ؟
ماذا تنتظرون ؟
وهل تنتظرون اسرائيل لتفعل فى حضارة مصر وآثارها وكنوزها وتاريخها وعلمائها كما فعلت بالعراق ؟
ماذا ؟
هل هان عليكم الوطن لهذه الدرجة لتبيعونه وتهدونه رخيصاً للبغاة المجرمين المغتصبين ؟
تعاركوا وتهارشوا وتنازعوا وتنافسوا واشتموا بعضكم بعضاً وليعاتب الأخ أخاه وليعلو صوت أحدنا على الآخر ، لكن داخل البيت بعد أن نحكم غلق الأبواب والنوافذ فلا يسمعنا جيران السوء ، لينتهزوا الفرصة الثمينة لهدم البيت وخرابه على من فيه .
لا تخرجوا بمشاكل مصر الى الخارج ، لا تنشروها على أحبال من يفرح بها وينتشى .
لا يلوم المصرى مصرياً ولا يرفض مسلكه وهو جالس هناك فى دولة أخرى ، لا نعرف ماذا تريد وما امتداد علاقاتها ولا من يحركها ؟
انتهوا الآن ، وقفوا مع أنفسكم واخوانكم وقفة صدق وشفافية ووضوح واعتذار ونية خالصة لانقاذ مصر .
انسوا الجبهات والتيارات والمعسكرات والأحزاب والجماعات والشخصيات والانتماءات .. وتذكروا الآن مصر .. ومصر فقط .
وادعوا مع شوقى الذى هلل وحمد الله بين يدى مقدمة دعائه لها بحمد الله بنجاة سعد ، فما بالك بنجاة وطن .. وليس كأى وطن .
انها مصر يا مصريون .
أمير الشعراء يدعو لمصر ... وهذى قلوبنا تدعوا معه
نَجا وَتَماثَلَ رُبّانُها
وَدَقَّ البَشائِرَ رُكبانُها
وَهَلَّلَ في الجَوِّ قَيدومُها
وَكَبَّرَ في الماءِ سُكّانُها
تَحَوَّلَ عَنها الأَذى وَاِنثَنى
عُبابُ الخُطوبِ وَطوفانُها
نَجا نوحُها مِن يَدِ المُعتَدي
وَضَلَّ المُقاتِلَ عُدوانُها
يَدٌ لِلعِنايَةِ لا يَنقَضي
وَإِن نَفَدَ العُمرُ شُكرانُها
وَقى الأَرضَ شَرَّ مَقاديرِهِ
لَطيفُ السَماءِ وَرَحمانُها
وَنَجّى الكِنانَةَ مِن فِتنَةٍ
تَهَدَّدَتِ النيلَ نيرانُها
يَسيلُ عَلى قَرنِ شَيطانِها
عَقيقُ الدِماءِ وَعِقيانِها
فَيا سَعدُ جُرحُكَ ساءَ الرِجالَ
فَلا جُرِحَت فيكَ أَوطانُها
وَقَتكَ العِنايَةُ بِالراحَتَينِ
وَطَوَّقَ جيدَكَ إِحسانُها
مَنايا أَبى اللَهُ إِذ ساوَرَتكَ
فَلَم يَلقَ نابَيهِ ثُعبانُها
حَوَت دَمَكَ الأَرضُ في أَنفِها
زَكِيّاً كَأَنَّكَ عُثمانُها
وَرَقَّت لِآثارِهِ في القَميصِ
كَأَنَّ قَميصَكَ قُرآنُها
وَريعَت كَما ريعَتِ الأَرضُ فيكَ
نَواحي السَماءِ وَأَعنانُها
وَلَو زُلتَ غُيَّبَ عَمرُو الأُمورِ
وَأَخلى المَنابِرَ سَحبانُها
رَماكَ عَلى غِرَّةٍ يافِعٌ
مُثارُ السَريرَةِ غَضبانُها
وَقِدماً أَحاطَت بِأَهلِ الأُمورِ
مُيولُ النُفوسِ وَأَضغانُها
تَلَمَّسَ نَفسَكَ بَينَ الصُفوفِ
وَمِن دونِ نَفسِكَ إيمانُها
يُريدُ الأُمورَ كَما شاءَها
وَتَأبى الأُمورُ وَسُلطانُها
وَعِندَ الَّذي قَهَرَ القَيصَرَينِ
مَصيرُ الأُمورِ وَأَحيانُها
وَلَو لَم يُسابِق دُروسَ الحَياةِ
لَبَصَّرَهُ الرُشدَ لُقمانُها
فَإِنَّ اللَيالي عَلَيها يَحولُ
شُعورُ النُفوسِ وَوُجدانُها
وَيَختَلِفُ الدَهرُ حَتّى يَبينَ
رُعاةُ العُهودِ وَخُوّانُها
أَرى مِصرَ يَلهو بِحَدِّ السِلاحِ
وَيَلعَبُ بِالنارِ وِلدانُها
وَراحَ بِغَيرِ مَجالِ العُقولِ
يُجيلُ السِياسَةَ غُلمانُها
وَما القَتلُ تَحيا عَلَيهِ البِلادُ
وَلا هِمَّةُ القَولِ عُمرانُها
وَلا الحُكمُ أَن تَنقَضي دَولَةٌ
وَتُقبِلَ أُخرى وَأَعوانُها
وَلَكِن عَلى الجَيشِ تَقوى البِلادُ
وَبِالعِلمِ تَشتَدُّ أَركانُها
فَأَينَ النُبوغُ وَأَينَ العُلومُ
وَأَينَ الفُنونُ وَإِتقانُها
وَأَينَ مِن الخُلقِ حَظُّ البِلادِ
إِذا قَتَلَ الشيبَ شُبّانُها
وَأَينَ مِنَ الرِبحِ قِسطُ الرِجالِ
إِذا كانَ في الخُلقِ خُسرانُها
وَأَينَ المُعَلِّمُ ما خَطبُهُ
وَأَينَ المَدارِسُ ما شَأنُها
لَقَد عَبَثَت بِالنِياقِ الحُداةُ
وَنامَ عَنِ الإِبلِ رُعيانُها
إِلى الخُلقِ أَنظُرُ فيما أَقولُ
وَتَأخُذُ نَفسِيَ أَشجانُها
وَيا سَعدُ أَنتَ أَمينُ البِلادِ
قَدِ اِمتَلَأَت مِنكَ أَيمانُها
وَلَن تَرتَضي أَن تُقَدَّ القَناةُ
وَيُبتَرَ مِن مِصرَ سودانُها
وَحُجَّتُنا فيهِما كَالصَباحِ
وَلَيسَ بِمُعييكَ تِبيانُها
فَمِصرُ الرِياضُ وَسودانُها
عُيونُ الرِياضِ وَخُلجانُها
وَما هُوَ ماءٌ وَلَكِنَّهُ
وَريدُ الحَياةِ وَشِريانُها
تُتَمِّمُ مِصرَ يَنابيعُهُ
كَما تَمَّمَ العَينَ إِنسانُها
وَأَهلوهُ مُنذُ جَرى عَذبُهُ
عَشيرَةُ مِصرَ وَجيرانُها
وَأَمّا الشَريكُ فَعِلّاتُهُ
هِيَ الشَرِكاتُ وَأَقطانُها
وَحَربٌ مَضَت نَحنُ أَوزارُها
وَخَيلٌ خَلَت نَحنُ فُرسانُها
وَكَم مَن أَتاكَ بِمَجموعَةٍ
مِنَ الباطِلِ الحَقُّ عُنوانُها
فَأَينَ مِنَ المَنشِ بَحرُ الغَزالِ
وَفَيضُ نِيانزا وَتَهتانُها
وَأَينَ التَماسيحُ مِن لُجَّةٍ
يَموتُ مِنَ البَردِ حيتانُها
وَلَكِن رُؤوسٌ لِأَموالِهِم
يُحَرِّكُ قَرنَيهِ شَيطانُها
وَدَعوى القَوِيِّ كَدَعوى السِباعِ
مِنَ النابِ وَالظُفرِ بُرهانُها