(صوت غريب يتكلم من وراء الستار ) (زيد داخل الخشبة )
الصوت : أنا من أنا ..؟ من أنا ..؟ ما أنا إلا قطرة دم في بحر مظلم ..ما أنا إلا ذات تتجول بين محطات الألم .. أيا أنت .. لماذا هذا الألم ..؟ لماذا هذا الظلم ..؟ بالله عليك إذا كنت تعرف .. بالله عليكم : إذا كنتم تعرفون ..؟
أيا أنت ..أجبني ..قل لي .. لا تخف ..أنتم أيا من تجلسون هناك .. لا تخافوا ..من هناك وقف موسى ..الجبل ..جبل الطور ..من هناك .. من غار حراء .. خرج يبشر بالإنسانية .. فأين الإنسانية ..؟ وأين العزة ..؟ وأين الكرامة ..؟
مات اللسان وسكت .. مات القلب ولم يعد ينبض ...؟ طفا الغبار على الأذهان .. واكتسح النسيان العقول .. أيا من تعيش هناك .. هل أحس بك أحد ..؟ كلا.. كلا.. وألف كلا..؟
لا حياة بدون حق .. لا حياة بدون عدل .. لا حياة بدون أرض .. ملعون من ينسى أرضه ..؟ ملعـون من ينسى وطنه .. ملعـــون من ينسى أرض فلسطين .. ملعـون من ينساها ..؟
زيد : ما هذا الصوت ؟ ومن أين يأتي ..؟ من أنت يامرأة ..؟ ومن تكوني..؟
الصوت : سترى النور يسطع من جديد .. بعدما يفجر القمع البركان النائم .. فتبقى حمم الدم جارية .. جارية.. إلى أن ..؟ ملعون من ينسى وطنه .. ملعون من ينسى أرضه ..؟ ملعون من فلسطين .. ملعون من ينساها ..؟
زيد : إلى أن ..؟ ماذا..؟ ومتى ..؟ وكيف ..؟ على أي حال ..؟ سنرى وسترين .. وسيرى العالم أننا ..؟
( يدخل رجل في الخمسين من عمره ..يتكئ على عصا طويلة .. يقطع الحوار .. ويبد أ حوار جديد بين الأب وزيد ..)
زيد : ( يلتفت إلى أبيه بعصبية ..) أأنت من ضيع القدس يا أبتي ..؟ وكرم الشيخ ..وقلقيلية .. وطول كرم .. وخان يونس ..وغزة .. ؟ هل بعت الأرض كما قالوا ..؟ ..فأضعت الكرمة والعـوسج والصبار .. هاجرت .. لم هاجرت يا أبتي ..؟ لم تركت الأرض للأعداء ..؟
الأب : ( يرد في حد ة وتوتر ..) أنا ..؟ أنا ما ضيعت شيئا ً ..؟ أنا ما ألقيت السلاح ..؟ اقر أ التاريخ .. حققنا أشياء كثيرة .. أشياء كبرى.. ولكن ..؟
مريم : (تدخل في الحوار..) طبعاً يا أبي .. ومع ذلك بقي هيكل البلاد مريض .. والأنفاس أشواك ..فلم نعد نأكل من كرومها ..ولا نغتسل بمياهها .. أتدري يا أبي ..؟ ها نحن نمشي في الشوارع خلسة .. فلا .. رجل يغني .. ولا.. امرأة تخطر في قميص نومها ..ولا .. قطة تموء في السلالم .. ولا .. كلب ينبح في الأرجاء ..؟
الأب : لست من أضاع الأرض .. هم من أضاعوها ..( يصمت ) هم من فرطوا فيها ..؟ بالله لا تحاصروني بالماضي ..لا تذكروني.. ما مضى فهو أهون ، وما هو آت فهو أصعب ( يلتفت إلى زيد ..) اسمع يا ولدي ..
لا تشغل بالك بما مضى، فكرفي الحاضر.. كن حذراً.. قم وأطلق صوتك عبر الثورة.. عبر الانتفاضة.. عبر الحجارة .. إياك أن تستـســلم لليأس والإحباط ..؟
سارة : أخطأتم يا أبتي ..أخطأتم لما سلمتم الأرض للعدو بأيديكم .. وتركتم العدو يأكل فاكهة الشمس والظل .. ويشرب ماء الأرض على مهل ..
الأب : كفى ..كفى .. أنتم لم تفهموا اللعبة التاريخية بكاملها.. لعبة التاريخ الأسود ..
زيد : لا يا أبي ..خدعتم .. خدعكم من سرقوا التاريخ منكم .. خدعكم العدو الأبيض .. خدعكم دم تهامة وحضر موت .. وأسيوط وكركوك .. وحلب .. في البداية ، وقفوا بجانبكم ..وتخلوا عنكم في اللحظات العصيبة ..
الأب : أنا لم أفهم شيئاً يا ولدي .. أفصح يا زيد ..
أسماء: ما يريد أن يقوله زيد .. قتـلتم الثورة الشعبية ...الثورة الأولى في مهدها .. وعولتم
على الجيوش.. جيوش العرب النظامية ..الخطأ بين يا أبتي ..بين .. بين.. أليس كذلك ..؟
أما ترى يا أبي ..: لا بسمة على شفاهنا .. ولا فرحة في قلوبنا .. ها نحن نعجن الخبز بدموع مقائينا.. ونقص جدائلنا ليلا ..ونسلخ أيدينا .. وغداً.. من يدري أي قفار يأوينا .. في كل ليلة نحفر في أعمارنا ظلمة لا شعلة فيها .. وألف قيد في الأكف .. ما لنا سوى موت في مقبرة الدرب الطويل ..
مريم : من أجل وطن ضائع خلف احتلال قاتل ،خرجت أتسكع ليلا في شوارع أشكو حكاياتي للعالم ..والعدو يرش شتاءه السامة في كل مكان .. أتلمظ بيــــن شفاهي دما دافئاً ينش بين شوارع غزة المنكوبة .. أسحق الثواني بعد الثواني.. شفاهي تلملم الحروف .. تهرقها على صفحات الزمن .. كل كلمة تشتعل وهجاً بين السطور .. والخواطر الباهتة تتوزع بين الأنقاض .. يحد من سطوتها صبر أيوب أقده من صلب أضلاعي .. أدق وأدق .. أدق الأبواب.. ما من شقة تكون داري .. وما مـــــن سرير يكون موطني ..
الأب : ( يحس بحرج ) طالما أن هناك ..؟
زيد : لا حاجة لكلمة طالما .. إني أكن لـك الاحترام ..وأنت القدوة .. ما أريد أن أقول .. طالما سلمتم القضية للآخر.. الله وهب لنا القدس ونحن دفعنا بها إليهم ..وقامر أناس في العالم بالسهول والجبال .. والبشر ..أتعرف ما جنينا ..؟
مريم : بالطبع .. جنينا الكلمات الجوفاء ..خطبنا في منابر العرب والعجم ولم يسمعنا أحد.. وزدنا في الكلام .. وبالغنا في الشعارات .. مجدنا الذات العربية أكثر مما يجب .. فمات شعار القومية العربية على كل لسان ..
مات مع ولادته .. قل بالله عليك يا زيد ..؟ هل استطاع العرب أن يحققوا لفلسطين شيئاً..؟ لا وألف لا ..
أسماء : من وراء حطام المزارع ، من وراء سهول فلسطين ، ندفن موتانا ليلا ، ونحن نغمس عويلنا في الضباب .. هل استطاعت أمة أن تقول للمحتل : كفى من إبادة شعب له الحق في الوجود ، وهل استطاعت
الأمم المتحدة أن تفعل شيئاً ..؟ لا وألف لا ..
زيد : يا قوم : تأكدوا جميعاً .. ضمائر الشعوب الأخرى لا تفيق من سباتها إلا على طلقة تصوب في صدر العدو .. العدَم لمن لا يحب وطنه.. العدَم لمن لا يحب فلسطين.. ولو كان خارج فلسطين ..؟
الأب : هكذا كنا.. ولا زلنا .. من نحن الآن ..؟ فقدنا أرضنا وهويتنا .. بالله عليكم قولوا : وأنتم ماذا فعلتم ..؟
زيد : هذا قدرنا .. العالم مملوء بالأخطاء .. التاريخ مفعم بالفجوات الفاصلة بين الأزمان والأجيال .. لا عليك يا أبتي .. لن نرحل حتى تتغطى الأرض بالأشلاء .. ؟ ويسيل الدم أنهاراً جارفة ..
هذا قدرنا ولا مفر منه .. مثـل مصير لاعب في سرك الحياة .. القضية واضحة يا ناس .. نريد الحياة .. نرسم الحياة على الشفاه .. تـتكون الكلمة على الشفاه .. تمضي من شفة إلى شفة.. من لسان إلى لسان .. فتـتولد
انتفاضة جديدة .. ولو جعلنا الموت مائدة للديدان البيضاء ..
( موسيقى هادئة ، صوت يصيح خارج الستار .. يدخل فلاح يحمل معولا على كتفه وعلى لباسه التراب ..)
إبراهيم : الويل لنا .. مخازن القمح قد نفدت .. يبست أشجار الزيتون .. أجذبت الحقول .. قطعان الماشية تموت وتنتحر .. (يضرب يداً في يد ) انتهى كل شيء.. انتهى كل شيء .. شقوق الأرض تخيفنا .. جفت الآبار .. سرق
العدو الماء .. الأولاد يختبئون في البيوت
كالجرذان ..حوانيت التجار تنهب وتسرق .. النار تحصد اليابس والأخضر .. المدافع اقتحمت المطبخ والحمام وفراش النوم ..
إسماعيل :لا عليك يا أخي .. شدة تاريخية وتزول .. خطأ من يرحل ويترك العدو يعبث بالمقدسات العربية والإسلامية ، ويعيث في الأرض فساداً ..لا يا قوم ..؟ نتسكع في الخليل .. وجنين .. وطول كرم ..وغزة.. نبحث عن الثورة .. عن الانتفاضة ..؟
إبراهيم : بالأمس رأيت لوناً أسود ينتشر وسط الحقول .. اللون الأسود يعلو ويعلو .. ويرتفع مع إيقاع الصوت والعويل .. الصوت يتحول فقاقيع من الأضواء المدمرة ..تنفجر .. وتنفجر تدريجياً في أجواء فلسطين ولبنان
وبغداد ..
إسماعيل : يا قوم : الحرية لها ثمن .. تؤخذ ولا تعطى .. يمكن أن تصنعوها بأيديكم .. لأنفسكم وجماعتكم ..السعادة في المقاومة .. الكرامة في حمل السلاح .. في الطلقة .. طلقة تخترق جسد العدو..
زيد : هذا ..أنا ..وهذا أبي .. وهذه أرضي .. وهذا وطني .. أصبح ميدانا ً للألغام المدفونة .. لقد رأيت كل شيء .. التلال تختفي ..تلا .. تلا... الجبال تنهار جبلا جبلا..الجرافات تدك
البيوت بيتاً بيتاً .. ما هذا الدمار ..؟ ما هذا الخراب ..؟ قيامة قائمة .. وزلزلة قاتلة .. ولا أحد يشعر بها..
( طرق في الباب .. استغراب .. حيرة .. محاولة الفتح ..تردد..)
هاجر : افتحوا .. لا تخافوا .. أنا هاجر .. ( تدخل وهي تنشد ..)
كأن صوتاً ما ينادي ..
تخلع الأرض قميصها الذي احترق ..
فتعود من وراء الأفق دورة وتفترق ..
أسماء : كأن صوتاً ما ينادي ../ تخلع الأرض قميصها الذي احترق /
سارة :كأن صوتا ما ينادي / تنهض الريح السجينة ..
دافعة أمامها حقول قمح ، وأغاني ..
وقطعان الغنم ..
كأن صوتا ً ما ينادي ../
يمطر وحشة ، وحزنا ً وحنيناً وسكينة ..
ونغيب نحن لحظة ، وتشرق المعالم ..
يا إخوتي ها أنا أسأل نفسي .. ولا أعرف الإجابة .. بالله عليكم قولوا : أين تلك الأرض ..؟ هل حان الوقت أن نراها ، أم ستبقى معلقة ..؟ أين ذلك الوطن ..؟ من حجبه عن العالم ..؟ من قــتله..؟ من غصبه ..؟ بوقاحة ..
في كل مرة يجيب وحش الغابة : نحن ابتلعناه .. أين كنتم قبل الرواية .. وما لكم وجود بعدها ..
( بصوت واحد:أسماء + سارة + هاجر )
كأن صوتاً ما ينادي ..
فيجيب..
يا بلادي ..يا بلادي ..يا بلادي ..
الأب: نشيدكم يأتي إلينا عبر أحزان المدن ..
وعبر ريح الصحراء ..
كأنه طيف لفارس شجاع ..
دمعت عيونه على الهوى ..
فأشعلت دموعه الغيم وشقت الفضاء ..
ونحن موتى نرهف السمع إلى نشيدكم، ونحن موتى لم نزل، نمضي ونمضي لمجلس العزاء...
هاجر : اسمعوا يا رفاق ..الموت واحد ، نحتاج إلى بلسم يرطب جروحنا .. يغسل حرقة دمنا المسكوب في الجولان ، في غزة ، في فلسطين كلها .. إني تعاهدت مع الموت .. وسوف أحتضنه ..وأدع الرصاص يخترق لحمي ..
قبل ذلك ، سأجعل صوتي يثقب الأفق ..فيبدد فجيعة الظلام .. طالما استباحوا نحافظ على الشرف .. طالما قتلوا نقتل .. طالما مكروا نمكر ..طالما .. وطالما .. ؟
يوماً ما .. سأحلم في الخندق المظلم بموت نقي .. أموت كي يأكل الناس باسمي .. كم حياة سأحيا .. ففي كل حفرة بذرة .. ينبجس من البذرة دم نظيف.. الدم الطاهر يسيل بين الحقول والشوارع ، السنابل تكبر وتزدهر.. فتجعل من الناس غابة مزهرة .. روحي وقود للثورة .. أرش دمي على العواصم العربية .. الدم يتحول شعاعاً من العزة والكرامة ..
(جميع أفراد الأسرة يسلمون على هاجر ..الأب يربت على كتفيها ../ تجلس على الطاولة .. تكتب الوصية / نشيد فــلسطين بالمناسبة ..عند الانتهاء تقرأ الوصية .. )
بسم الله الرحمان الرحيم : باسم فلسطين المحتلة .. باسم الشهداء الذين سبقونا وسقطوا في المعركة .. باسم أطفال الحجارة ..باسم القدس .. أرحب بالموت .. بالشهادة في سبيل القضية
الفلسطينية .. لم يبق لنا ما نملك .. راح الأهل والأصدقاء .. راحت الأرض ..الآن نملك أرواحنا.. نهديها إلى فلسطين ..؟
قال تعالى : [ولا تحسبــــن الذين قــــــتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون . ]صدق اله العظيم
الجماعة : الله أكبر..الله أكبر.. الله أكبر ..(علامة النضال .. تتقدمهم هاجر..تـتبعها الجماعة..)
****************************
** الأبيات الشعرية مقتبسة