كان واصباً يمر بين الحين والآخر لينثر التحية ---يجلس دقائق
فيفضي إلي بأفكار مليئة من هنا وهناك ----
وتتنوع التعابير النابتة على شفاهه ,لكنه كان عازفاً عن الكتابة مع أنه خير من يحسنها .
كان دائما يائساً --- هارباً--- مسرعا
أستاذ إحسان أديب وشاعر, مثقف واع, يحمل الكثير, سنون خلت أمضاها بين السطور, حصيلة العمر دفينة أفكاره.
عندما يتكلم يختصر قدر احتماله, وعندما يبدي رأياً لأولي الرأي
تنطبق عليه مقولة أنت تغرف من البحر وهو ينحت في الصخر
حاول الكثيرون إقناعه بالكتابة لكن جوابه حاضر بشكل دائم
الأديب الحق لا يكتب ولا ينشر في هذا الزمن---!
انقطعت أخباره عني قرابة الشهرين----وسط أحداث هزت الجميع---؟
وفجأة..! وبدون سابق إنذار طرق باب العيادة وقال:
وكأنه يرمي الرصاص بعباراته
كتبت... نعم كتبت قصيدة؛ وأريد أن أكتب وأنشر ليقرأ العالم ويفهم
بدهشة واستعجال ---! أنت يا أستاذ, نعم كتبت قصيدة----
فنحن عرب نعتز بعروبتنا وماضينا ---صحيح أن غبار اليأس والخمول
قد غيّب عنواننا لكننا عرب
فآباؤنا عمر.. والمعتصم.. وصلاح الدين
كان يرددها بعصبية وعنفوان ...
واستطرد يقول: عندما تصل الأمور إلى هذا الهوان يجب أن نقول كلمتنا
أن نجاهد, أن نحرر مهما كلفنا من دماء الشهداء و من دموع الأمهات
وبكاء الأطفال.
كانت رفة رمشه السريعة تعبر عن غضبه وسخطه , نظر إلي متابعاً:
لم أعد أطيق النظر في عيون أطفالي لأنني أقرأ فيها الخوف من المستقبل من هذا القادم المرعب
أتعلم يا دكتور ماذا قال لي طفلي الصغير بالأمس( كان يتكلم ولا ينتظر مني
إجابة )---أبي لماذا يطلقون الألعاب النارية في غزة ---!!!
إن ألوانها وأشكالها جميلة يا أبي ---هل يقيمون عرساً في غزة ---
أجبني يا أبي... بالله عليك
وإن كان عرسا---؟ فلما الدماء تتناثر في كل مكان ...!
وكأني بصدى كلماته تقرع أذني مجلجلة .. أجساد أطفالنا أصبحت قرابين أعراسهم --- ياللعار---!!!
كان طفلي قد بدأ يلمح دموعي وهي تسحُّ بلا هوادة فراح يهزني متسائلاً
أجبني يا أبي--- أجبني
لم أجد نفسي إلا وأنا أردد أمام أطفالي الحق معكم يا أطفالنا .. عذراً يا أمهاتنا.. الحق معكم كل الحق.... فقد علا السيل زبداً رابيا
وطالت يد أستاذ إحسان مقعدي لتناولني ورقة كتب عليها قصيدة زيَّلها بالقلم الأحمر بخط واضحٍ وصريح
للنشر