هما خليلان يقتسمان اللذين يختصمان العقل والهوى فإن غلب أحدهما الهوى زجره ورمقه الآخر ويأتيه بخبر النصيحة فينتصر عنده سلطان العقل ويأتلفان ويهتديان، وهما كانا من سالف الزمان ويكون دائماً ما كان وإن اختلفت الحكايات وسئم الناس الروايات وأضحت قصصهم قصيرة جداً فما عادوا احتمال إطناب ولا بلاغة منطق ولا إغراق وصف وأرادوا إيجازاً بحذف ولو بقليل لفظ، أهمتهم الدنيا يلهثون وراءها فلا يلحقون بركب تقدمهم وفات، وأرهقهم زمانهم وكل جديد آت وهم في غفلة عما ينير طريقهم، وإن أبصروا أدركوا، فما ظنك بالذي قال الخير فغنم؟ وملك لسانه فلم يندم وكان أحدوثة الأجواد وله طيب ذكر إن حضر أو غاب وإن جف مداده فله القول والعمل وفيه شفاء ويبرئ كل داء، لا تخمد له نار ولا يحترز منه جار، ألان طبعه فائتزر بنبل أصيل، لا يضحك بغير عجب ولا يسرف ولا يقدح،ولم يتحذلق لسانه وأفاضه بذكر الله فكان كلامه رطبا نديا، ولم يراء بالنصيحة فسما فضله وحسن قصده ، تصغر أمامه كل عقبة كئود، وهو منكم كالكرمة حسن ورقها وطاب ثمرها وسهل مرتقاها .
لكن آفة الرأى الهوى فإن خالفت أهواؤكم عقولكم وفروعكم أصولكم فيصبح أحدكم فظاً غليظاً يحشو الأسماع بما يرمض ويرمد ويسجن نفسه بتيه وعجب مهين لا يليق، لم يهد له أحد عيوبه لجفوته وقسوته وسوء بطانته، لسانه سليط وفعله مقيت، فبقي في موضعه لا يبرئ الداء ويظل سقيما، يغلبه هوى النفس ويأمره فيطيع فيخطئ قصده ويتيه عنه رشده وإن كان بصيرا ، وهذا منكم كالسمرة قل ورقها وكثر شوكها وصعب مرتقاها . والموعظة يا خليلي ثقيلة محرجة لكن من الحسن أن نعلم شرور النفس وننظر لومها ونعيد النظر ونسلك غير الطريق والأمر أن العقل والهوي يختصمان، وإن أردنا أن نكون كالكرمة علينا أن ننتصر للعقل الراشد ونهذب النفس وهواها ونهزم من يأمر بسوء فنأتيه في مقتل فلا تقوم له قائمة ونعود مطمئني النفس والقلب والوجدان ونهتدي غير مغضوب علينا ولا ضالين والله بالغ أمره.