لن يدور دولاب الزمن أظنه توقف عن المسير .
أظن رغيف الخبز سيظل بعيدا عني وكذلك وقود مدفأة الشتاء .
إني أشتم رائحة الفقر تخيم على العالم ...رغم أني فقدت حاسة الشم منذ زمن فأنا إنسان أعيش دون حواس.
بالأمس بعت بصري مقابل عدة قروش وأقسمت يمينا للمشتري ألا أرى العيب ولا أبصر البؤس و ألا أشاهد السارق أو المرتشي
ومنذ قليل وقعت عقدا ببيع حاسة اللمس لم أعد أفرق بين الحرارة والبرودة بين الناعم والخشن بين الجنة والنار لم أعد ألمس شيئا لا .. بل إن كل الأشياء ملمسها واحد بالنسبة لي وهو ما يطلب مني أن ألمسه.
فكرت مليا اليوم قبل أن أبيع سمعي ثم بعته مقابل حذاء أسير به على الأرض يخولني ألا أطير إلى السماء السابعة .
وسلمت مفتاح المنبر الذي كنت أتكلم من خلاله إلى الجهات المختصة فما الفائدة من خطيب أخرس باع حاسة الكلام عنده .
...إن إنسانا يعيش دون حواس لأشبه بالرجل الآلي الذي لا يفعل إلا ما يطلب منه فلا يبصر إلا المباح له ولا يسمع إلا المتاح ولا يلمس أو يحس أو يفكر إلا ما يراد له
والآن وبعد أن أصبحت عاريا حافيا جائعا عطشا لا أعرف شيئا ولا أبصر أو أسمع أو أشم شيئا قررت ...أن أبيع آخر الحواس وأغلاها على قلبي قررت أن أبيعها مقابل حياتي كلها
قررت أن أبيع القلم ......
هل تعرفون أو تدرون أني أشتم وأبصر وأسمع وأحس من خلاله
لقد اختصر القلم كل حواسي بل اختصرني فيه
ولد قلمي حرا لا يعرف الغش أو الزيف أو الكذب .... ثم نمى تطور دار مع الزمن ... فإذا به المتكلم والشاعر والكاتب والروائي ...ثم كبر سنه فازداد وضاءة وبراءة ..ازداد معرفة وحكمة وأصبح يفرق بين الحق والباطل بين الصواب والخطأ بين الأبيض والأسود
حتى إذا اكتمل عقله وقويت حجته وصلب عوده وانتصر على خصومه قررت أن أبيعه
لقد غدا القلم كل شيء في حياتي لا أتركه حتى أفزع إليه ولا أبتعد عنه حتى أشتاق لرؤياه لقد تعلمت منه القلق أن أستيقظ منتصف الليل أن أعرق في لحظات البرد وأن يتجمد جسمي وسط الصيف
تعلمت منه الإحساس والشعور بكل شيء حتى بنفسي
واليوم أودعه ودموع كثيرة تسيل خفية تحت جفوني مع أني عاهدت الذي اشترى عيوني ألا أبكي بهما بعد اليوم
أواه أواه ... إن استطاعوا أن يشتروا كل حواسي سمعي بصري حسي ولمسي وكلامي
هل يستطيعون أن يشتروا قلبي ويتحكموا بمشاعري
هل يستطيعون أن ينزعوا الفرحة من قلبي على شيء أحبه
أو الحزن على شيء فقدته
أو الابتسامة لحبيب ألقاه
أو البكاء لعزيز فارقته
لا لن أبيع قلبي وكتبه الغريب