لو كان روزنبرغ يعلم !
هل كان يخطر ببال الشاب العبقري مارك روزنبرغ ،عندما عاد حزيناً بعد أن تركته حبيبته ، أن " فيس ماش" الذي تحول الى "فيس بوك " سيصبح الشبكة الاجتماعية الأولى في العالم برأس مال يقدر بمليارات الدولارات ، وهو الذي استعان بأموال شريكه في السكن البالغة ألف دولار فقط ، لإنشاء هذا الموقع الرائد .
وهل كان يخطر ببال روزنبرغ ، وشريكه ، وشركة الفيس بوك نفسها ، أن ثوراتاً ستولد ، انطلاقاً من صفحات وفضاء الانترنت ، ومن بين العوالم الرقمية إلى فضاء جلي واسع على أرضٍ يعيش عليها مثقفون مقموعون .
حدثت المعجزة أمام عيني ، ولم أكن أصدق
كنت عضواً في مجموعة كلنا خالد سعيد ، التي كانت أول من دعا الى التظاهر ، فرددت عليهم رداً لاقى غضب الكثيرين ، لكني لا أخجل منه لأني كنت كغيري مصاباً بإحباط لا تحده حدود ، مثل كل عربي آخر .
قلت لهم / يا مجاهدو الفيس بوك ، الزموا بيوتكم فأنتم أضعف من أن تخرجو في مظاهرة واحدة ، سيمضي يوم 25 كأي يوم آخر .. لقد انتهى عصر الشعوب الحرة !
بغضب شديد كانت الردود تنهال علي من الشباب الثائر عبر الفضاء الرقمي .. قالوا أنهم سيخرجون ، سينتفضون ، سيصرخون ... وكنت أحب أن أصدق ، أتمنى أن أصدق ، أغالط نفسي ، لكي لا أحلم حلماً لا يمكن تحقيقه .
ثم حدثت المعجزة ، ورأيت الأحرار ينتفضون ، يصرخون ، يحملون أرواحهم على أكفهم في ميدان التحرير ، وكل أنحاء مصر ، ليكتبوا التاريخ بأيديهم .
وهنا خضت معركة أخرى عبر ذات الفضاء .. مع مصريين كانوا ينادون بالمظاهرات ، ثم غلبهم الطبع الذي عودهم عليه مبارك ونظامه ، غلبهم الخوف ، وسيطرت عليهم فوبيا الفوضى التي يحاول النظام أن يستخدمها كفزاعة ..
رأيت تحول الكثيرين ، عبر الفيس بوك ، ممن كنت أعتبرهم أعز أصدقائي ، ثم أن تغيرهم هذا لم يجعلهم صامتين فحسب ، بل صاروا يهاجمون الثورة والثوار ، ويعتبرون أن من يسكن التحرير الآن مجموعة من المخربين الذين سيخربون البلد .
الغريب أنهم صاروا فجأةً يحبون مبارك !
صرخت ، أثناء نقاشي مع أحدهم :
أنتم تقفون في الاتجاه الخاطئ ، ستندمون
وقلت له :
التاريخ في مصر ، يكتب الآن ، بدماء أبطال التحرير ، التاريخ يتشكل ، والثورة تولد ولا تموت الا عندما تنتصر ، هذه الثورة العظيمة ، ستذكرونها ، ولسوف تفخرون أنكم عاصرتموها ، ولسوف يدرسونها لأبنائكم وبناتكم في كتب التاريخ ، ستسبق ثورة يوليو وثورة عرابي والثورات كلها ، لأنها ثورة شعب
لم يبالي بكلامي ، لم يقتنع ، ظل مصراً أن من يرابط هناك مجموعة من المخربين ، وأن الثورة حققت أهدافها بتغيير الحكومة ، فعليهم الرحيل ، عليهم ألا يذلوا رئيس مصر
هل نسيت يا صاحبي أنه أذل الهوية العربية ، والكرامة الانسانية لكل مصري ،فهو ذاته-هذا الصديق- قال لي بالحرف أن المصري يوسم بصفات ليست فيه ، صار المصري بالداخل والخارج ، في حرج مما يقال ، فمصر ليست شارع الهرم ، ومصر ليست السينمات والمسارح ، مصر ليست عادل امام وفيفي عبده ، وليست مصر التحرشات التي كان يغض النظام الطرف عنها ، ويساعد على تفشيها بنظامه الاقتصادي الذي جعل الزواج مطلباً لا يتحقق الا بشق الأنفس
مصر ليست الموظف الحكومي الذي تعفن من البيروقراطية ، والذي لا يمشي خطوة الا بالرشوة أو البقشيش ... مصر أكبر مما وصم به أبناؤها ، أكبر من الدور الذي حشرت فيه اقتصادياً وسياسياً بل وحتى فنياً .
مصر التي خرج منها سيد قطب ، وحسن البنا ، وزويل ،ويحيى المشد ، والقرضاوي ،والغزالي والشعراوي، مصر التي خرّّجت للعالم كله مئات الالاف من المهندسين والأطباء والعلماء والكتاب ، مصر نجيب محفوظ ويوسف ادريس والسباعي والحكيم والعقاد وحقي والغيطاني والكيلاني لا يكون وزير ثقافتها الممثل :أشرف زكي مكافأة له على تظاهرة مع مبارك ..
مصر التي بنت الأهرامات ، تبني اليوم تاريخاً جديداً للأمة العربية .
وبعد أن استمع الى قولي ، وجدت أنني لم أعد صديقاً لصديقي بعد الآن ، حذفني من قائمة أصدقائه ، مسحني من حياته ، فأرسلت له رسالة خاصة أقول فيها :
أنت ومن يشبهك ، سترقصون غداً عندما تنتصر الثورة ، ستنزلون إلى التحرير ، وتدعون أنكم هناك منذ اليوم الأول ، ستركبون الثورة وتدعون دعمها ، ستختلطون بالثوار ولن يميزكم أحد ..
أنا سأكون ممن يبتسمون حين أراكم وسط الجموع ... فأنا سأعرفكم .