ثار جدل حول طبيعة مشروع الاسلاميين خاصة بعد النزاع المستعر حالياً على السلطة وتأثيره على المسارات الأخرى التى اصطحبها التيار الاسلامى كعوامل داعمة فى طريق وصوله الى غايته التى اتضحت خلال الشهور الماضية ، مما دفع خصومهم لتجريدهم من عوامل قوتهم على طريق مسارات الهداية والنشاطات الاجتماعية والدعوية ، اعتقاداً بأن التيار الاسلامى استغلها للوصول الى كرسى الحكم . القضية تستحق طرحها للنقاش ، بعيداً عن الفذلكة والتناول السطحى بهدف الاستعراض أو دعم المواقف السياسية أو تبرير الأخطاء ، والموضوع يتعلق بملف حضارى وبرؤية اسلامية شاملة تحدد دور المسلم عموماً وموقعه فى الكون والمجتمع ، واسهامه فى الاضافة لحركة الانسان وثقافة المجتمعات وحضارات الأمم وعطاءها الانسانى فى هذا العصر من عدمه ، وليست فقط قضية الحركة الاسلامية ومشروعها الخاص بها ، نظراً لتطور التعامل الحضارى الغربى وتعاطيه مع هذا الملف تحديداً بعد الحادى عشر من سبتمبر ، وبروز دور الحركات الاسلامية بعد الثورات العربية وتاثير هذه الأدوار مجتمعة – سواء الايجابية أو السلبية - على صورة المسلم والاسلام على المستوى الحضارى والكونى . هناك تجارب ممتدة عبر التاريخ ، ومسيرة الحكم الاسلامى ذاخرة بالدروس والخبرات ، والمحك الحقيقى هو ما ستضيفه الحركة الاسلامية لهذه المسيرة وما ستستلهمه لصياغة تصور عصرى يواكب المتغيرات ويسد النواقص ، وهذا ينسجم مع طبيعة الاسلام الاصلاحية التكميلية ، فقد بعث رسولنا صلى الله عليه وسلم – لا ليهدم ويبدأ من جديد – انما ليتمم مكارم الأخلاق . وبالجدل حول حجم المُعطل من الشريعة فى بلاد الاسلام والموجود وماهية المشروع الاسلامى ومكان الحركة الاسلامية منه وحجم مساهمة المؤسسات الدينية الرسمية والخاصة فيه ومدى قابلية المجتمعات لتصور الاسلاميين لتطبيق الشريعة ، ثم حول قدرة الاسلاميين على استيعاب التنوعات داخل المجتمعات الاسلامية وعدم الاستغراق فى صورة تاريخية معينة والقدرة على الاستفادة من القوانين والقيم الوضعية المحلية والعالمية التى تطابق قيم الاسلام وتنسجم مع روح الشريعة وتسهم فى تحقيق مقاصدها العليا من حفظ للعقائد والأنفس والأموال والأعراض ، ثم توفر الرؤية حول مفهوم الشريعة ومعنى تطبيقها ومن يطبقها ومراعاة التنوع واحترام الحريات .. الخ ، وهل يرتبط المشروع الاسلامى والحكم بالشريعة بوصول الاسلاميين الى السلطة ، وماذا أضافت تجارب الاسلاميين السابقة فى الحكم لهذا التصور ؟ التواضع على رؤية متقاربة ونتائج منطقية بعد نقاش هذه المحاور باستفاضة ، يمثل منطلقاً جيداً للفهم وصولاً لصياغة نظرية اسلامية واضحة ومأمونة ، وعندها لن تكون هناك حاجة للتساؤل عن طبيعة وماهية مشروع الاسلاميين ، فالمسألة ستكون محسومة بشكل كبير لصالح الرؤية الأكثر انسجاماً مع الواقع وافادة للدين والشريعة والأمة . الوعى بالواقع وبالعصر والمتغيرات مسألة حيوية ، فهناك اضافات حضارية لأمم أخرى ذات تأثير واسع على مستوى نظم الحكم وقيم الشورى والتداول والحريات والتقدم العلمى والتكنولوجى ، والانتظار والانتصار لمن يضيف الى ما تم انجازه وسد الثغرات والظهور بما هو غائب بالفعل عن المشهد العالمى والتجارب الانسانية ، والثغرة الكبرى اليوم هى انحدار القيم الأخلاقية وغياب الروح وخواء الضمائر وشيوع الخسة والوضاعة والطمع وبطش القوة . نجح الغرب للأسف منذ 11 سبتمبر فى سحب قطاع من الاسلاميين للاشتراك معه فى بطش القوة ، والأمر فى متناول حضارتنا الاسلامية ، خاصة وأن قيمنا لا تضيق بالتقدم العلمى ولا تناهض الابداع والابتكار ، فضلاً عن أن علاج المثالب الحضارية الراهنة متوفر لدينا ، بتربية الضمائر وتغذية الأرواح وربط الانسان بخالقه ، وفق فلسفة تعمل على تحويل الرقى المادى الى رقى خلقى وتطوير الواقع ليمسى واثقاً بالروح ، لكن لم يقدم الاسلاميون ترجمة عملية لذلك . تحرك الاسلاميين كان يجب أن يكون دعماً واضافة وبناءاً وتكميلاً سواء على مستوى مجتمعاتنا أو على المستوى الحضارى والكونى وعلى مستوى التجارب التاريخية والانسانية ، فلا يظهروا كنسخة من الماضى ولا ظهيراً لخصوم الحضارة بعدم الاتيان بالجديد الغائب والوقوع فى فخاخ العنف ، ولا عبئاً على المجتمعات باحتكار المشاريع الحضارية الكبيرة التى لا تنجح فى الغالب الا بالمجتمع كله وبجميع مؤسساته وتياراته وطوائفه ، وعلى رأسها المشروع الاسلامى أو الحكم بالشريعة