ذكرنا سابقاً كثيراً من التحديات التى ستواجهه ، وهناك أيضاً ملف المشروع الشعبى الذى يعطى حصانة ولو وقتية من الغضب وربما يوقف الموجات الثورية التى انطلقت ولا أحد قادر على صدها ، واذا انحرف الاسلاميون عن الفهم الصحيح للقضية وانشغلوا بغير القضية الأم حيث انفجر الغضب بسبب قضايا
اجتماعية وليست دينية ولا علاقة لها باشكالية الهوية ، فقدموا أنفسهم بالخطاب والمواقف الخطأ فى التوقيت الخطأ ، واذا كان المصريون ساخطين على ارث مبارك وعمق الفوارق الطبقية وسوء التصرف فى الثروات الوطنية والشعور العارم بالتمييز والحرمان ، فلن تقتنع الأغلبية بمن يأتيهم على صهوة جواد منقذاً للشعب من الاخوان أو محارباً للارهاب ، انما برجل صاحب مشروع اجتماعى اصلاحى ينعكس على الأوساط الفقيرة ويشعرها أنها على قيد الحياة .
الحديث عن حرب الارهاب يحتاج الى تفصيل وايضاحات ؛ فالقضية قديمة ومتشعبة ، وهناك عوامل ذاتية تحول دون تكرار السيناريوهات السورية والليبية فى مصر ، فهى دولة عريقة فى القدم ومن الصعب ابقاءها فى حالة فراغ سياسى ودستورى لفترة طويلة أو جرها لسيطرة المليشيات ، وهى تختلف عن ليبيا التى نجح معمر القذافى فى ضرب رمزية الدولة فيها وأضعف مقوماتها المستقلة عن نظامه فأدى ذلك الى اختفاء ملامح الدولة وصار هو وأعوانه كل شئ ، ولما سقط انهار كل شئ ، وهو ما جعل الليبيين أمام تحدى بناء دولة جديدة من العدم فضلاً عن انتشار السلاح بين القبائل وسهولة سيطرة المليشيات على المناطق ، وسوريا تغولت الأسرية والطائفية داخل المؤسسات والجيش بعكس الحالة المصرية .
الدولة فى مصر قائمة وراسخة ومسيطرة وتفرض نفوذها على جميع أراضيها ولا مجال للرهان على جماعات ارهابية فى الداخل أو على ضغوط خارجية وابتزاز من قوى غربية لاعاقة استكمال المؤسسات المنتخبة ولا فضل هنا خالص لشخص أو مؤسسة مهما كانت درجة اسهامها وتضحياتها ، فهذا واجب وطنى ، انما الفضل الأول والأخير يعود لطبيعة مصر الجغرافية والتاريخية والسياسية .
القضية تثير حساسية خاصة لطبيعة الشرعية التى حاول مبارك اضفاءها على وجوده غير الشرعى كمنقذ من الاخوان والارهاب ، فى حين يتم اللعب بهذا الملف وتاريخ تضخيمه معروف ومعلومة عواقبه الكارثية ، واذا تم التعامل معه بدون البروباجندا وبالأسلوب الصحيح فكرياً وسياسياً وأمنياً لانتهى الارهاب والتشدد منذ عقود ، وطبيعة مصر كفيلة بدحره ، لكن تظل طبيعة الصراعات السياسية منتجة له وفق حالة تنتمى لسيناريو فيلم " شئ من الخوف " لا أكثر .
الشرعية لا تكتسب بمجرد الاسهام فى اسقاط نظام ، ولدينا الحالة العراقية كاشفة وملهمة ؛ فالمعارضة وغالبية الجماهير تلهفت لاسقاط صدام ونظامه بعد جرائم الابادة والزج بالشباب والرجال فى حروب مهلكة ، وكان الحلم هو مجرد اسقاط صدام " الصنم " ، كما كان الحلم عند قطاع من الاسلاميين فقط هو اسقاط الرئيس السادات ، وكما كان الحلم هو مجرد اسقاط مبارك ثم الاخوان .. الخ .
كيف حال العراق والعراقيين اليوم ، بعد أن غض الحالمون الطرف عن تدمير المؤسسات وتفكيك الجيش وادخال الارهابيين ونهب وتدمير التاريخ والذاكرة والتراث العراقى ، ثم تأسيس الحكم على أسس عرقية طائفية ونهب ثروات البلاد وحكومات متعاقبة تأتمر بأمر واشنطن وطهران ؟
عاشوا فى سكرة الحلم وصدقوا الأكذوبة وخدعوا أنفسهم ثم استيقظوا على كابوس .
واليوم بعد سنوات من اسقاط صدام كما تمنى العراقيون ومثقفو العراق ، فلا دولة حقيقة ولا تنمية ولا مؤسسات ، وهناك حاكم طائفى مضلل وميليشيات تتحكم برقاب العراقيين وتتدخل باسلوب حياتهم ، ومليارات المساعدات والمشاريع تذهب لجيوب وكروش المنتفعين وأمراء الفساد .
المشير السيسى يحتاج بالفعل لمعجزة ولامكانيات غير محدودة تنقذه من هذه السيناريوهات ، ولمشاريع تنموية ولشراكة سياسية ولحلول جذرية للوضع الاقتصادى المترهل ، لا تشبه تلك المسكنات الوقتية التى كان يعتمد عليها مبارك مع بعض المعونات من الغرب والدول الخليجية ، وكذلك لتقديم نفسه كرجل دولة لا تكراراً للصورة النمطية لهؤلاء الحكام الذين بنوا شرعياتهم الزائفة على اسهامهم فى اسقاط نظام سابق أو لكونهم المنقذين للشعوب وللغرب من شبح الاسلاميين والارهاب .