شرطيٌّ عندَ المُنعطفِ!
كان يتحدثُ بالخليويِ، عندما انحرفَ بسيارتهِ الفارهةِ بحدةٍ، عندَ المنعطف إلى الشارعِ الطَّويلِ المُفضي في نهايتهِ إلى منزلِهِ. خرجَ له شرطيُّ المرورِ من زاويةٍ في المنعطفِ، مُشيراً له أنْ يقفَ. قالَ الشرطيُّ للرَّجلِ الذي أنزلَ شبّاكَ السيارةِ الزُّجاجيِّ: الرُّخصُ إذا سمحتَ، قالَ الرَّجلُ: لماذا؟!
قالَ الشرطيُّ: لأنكَ كنتَ تتحدَّثُ بالخُليويِ وتسيرُ بسرعةٍ عندَ المنعطفْ. ترجَّلَ الرَّجلُ من سيارتهِ وقالَ: لن أعطيكَ الرُّخصَ ، لأنني لم أتحدثْ بالخليوي. ثارَ جدالٌ بين الرَّجلينِ فاحتشدَ النّاسُ، وجاءَ رقيبُ السَّيرِ على دراجتهِ يستطلعُ، فأقسمَ الرَّجلُ باللهِ العظيمِ أنهُ لم يستعملِ الخُليوي. قالَ الرَّقيبُ للشُّرطي: طالما أنهُ أقسمَ باللهِ العظيمِ، فاتركهُ للهِ العظيمِ، وأدار دراجتَهُ وانصرفَ..
في بيتهِ بعدَ الغروبِ، رفعَ الخُليويَّ واتَّصلَ بشيخٍ يعرفهُ ليستفتيهِ، قال: يا سيِّدي، ماحكمُ الشَّرعِ في يمينٍ حلفتهُ لشرطيِ المرورِ كاذباً، إذْ أوقفني فطلبَ مني الرُّخصَ، لأنني كنتُ أتحدثُ بالخليويِ أثناءَ القيادة..قالَ الشيخُ: خمسةُ دنانيرٍ يا بني.. إدفعها لفقيرٍ كفارةً ليمينكَ!
في صبيحتهِ منَ اليومِ التالي، يمَّمَ شطرَ الكراجِ، حيثُ سيارتُه ليقصدَ محلَّهُ التجاريَّ في السُّوق، تفاجأ أنّ السَّيارةَ لم تكنْ هناك، وأنَّ بابَ الكراجِ كانَ مفتوحاً وكان القفلُ مخلوعاً.. فأرغى وأزبدَ، وفكّر وقدَّر، ثمّ رفع جهازَهَ الخليويِّ فاتَّصلَ بشرطةِ النَّجدةِ التي حضرتْ على عجلٍ. وبعدَ أن عاينتْ الشرطةُ المكانَ، طلبتْ هاتفَ الرجلِ الخليويِّ في حالِ الحصولِ على معلوماتٍ، ثمّ انصرفوا.
حتى إذا بردَ غضبُهُ وحماسُهُ، رفعَ الخليويَ ليستعينَ بصديقٍ ذي خبرةٍ في كيفيةِ التعاملِ مع سرقةِ السَّيارات. قالَ له الصديق: إنهم حتماً سيتصلونَ بكَ عمّا قريب..
خرجَ إلى الشّارعِ الرَّئيسِ، ليستقلَّ سيارةَ أجرةٍ إلى محلِّهِ. أشارَ إلى سيّارةِ مكتبِ أجرةٍ قادمةٍ من بعيدٍ فتوقفتْ ، صعِدَ إليها في المقعدِ الخلفي. حتّى إذا سارتِ السيارةُ مسافةً، رنّ هاتفُ السّائقِ الخليويِ، وأخذَ يتحدثُ إلى زبونٍ. فآنسَ الرجلُ شرطيَ المرورِ من بعيدٍ فقالَ للسّائق: احذرْ ذاكَ الشُّرطيَّ الخبيثَ عندَ المنعطفِ..فكفَّ السّائقُ، وأدخلَ الخليويَّ إلى جيبِه. أشارَ الشُّرطيُّ لسيّارةِ الأجرةِ من بعيدٍ، فتوقفت إزاءَهُ، وجاءَ الشُّرطيُّ، الذي توجَّهَ بدورِه نحوَ السّائقِ. سحبَ السّائقُ رخصَ السَّيّارةِ من جيبِ السَّيارةِ، فناولها الشُّرطيَّ دونَ أن يترجَّلَ..عاينَ الشرطيُّ الرخصَ، وقال للسّائق: أتقسمُ باللهِ العظيمِ أنَّكَ لم تكنْ تتحدثُ بالخُليويِّ.
قالَ السّائقُ: ولمَ أُقْسِمُ فقد كنتُ فعلا أتحدثُ!
انحنى الشُّرطيُّ مقترباً من وجهِ السّائقِ معيداً إليهِ الرُّخصَ دونض أن يحررَ لهُ مخالفةً، وقالَ: لاتفعلْ ذلكَ ثانيةً، فالمخالفةُ عشرونَ ديناراً..
صَعَّدَ الشرطيُّ بصرَهُ إلى المقعدِ الخلفيِّ، فإذا الجالسُ في المقعدِ الخلفيِّ يستطلِعُهُ، فابتسمَ الشرطيُّ وعبسَ الرَّجلُ، وانطلقَتْ السَّيارةُ. قال السّائق: لم قلتَ لي؛ إنَّ هذا الشُّرطيَّ خبيثٌ!
لم يُجبِ الرَّجلُ على تساؤلِ السّائق، لأنَّ الهاتفَ الخليويِّ رنَّ فبي جيبِهِ..
قالَ المتحدِّثُ عبرَ الخُليويِّ: حتى ترى سيارتَكَ أمامَ بيتِك غداً، عليكَ أن تدفعَ خمسةَ آلافِ دينارٍ-سأبلغُك كيفَ-، وهذا ليسض كثيراً على سيارةٍ ثمنُها مائةُ ألفِ دينارٍ،على أنْ لا تخبرَ الشُّرطةَ، فإنَّ ذلك لنْ يُجديَك!.. وإلاّ فإنَّكَ لنْ تراها أبداً..