" لهيب الشتاء "
أنا لستُ رساماً ، والريشة و الألوانُ ليست أدواتي ،لا أعلم كيف يمكنني أصِفَ هذا المنظر، و أتساءلُ هل هو مفرحٌ أم مبكٍ ؟! من نافذتي أناظرَ هطولَ الثلجِ المتلاطِمِ كأنه ريشٌ منثورٌ وقطنٌ مقطوفٌ يُنثَرُ على ساحاتٍ كان السواد ديدَنُها ، و أشجارٌ خضراءُ بات البياضُ يكسوها ، وتوغِلُ الصورة في جماليّتها ، و أمعنُ النظرُ فيها أكثرَ فأكثرْ ، و أتساءلُ ثانيةً هل هذه هي دنيتنا أم أنه عالمٌ آخرٌ لا سوادَ ولا ظلامَ ولا ظُلمَ ولا استبدادَ فيه! شكله البياضُ و جوهرهُ النقاءُ والصفاءْ .
هل هذا العالم الذي فيه أعيشْ ! أم أن خيالي و سذاجتي نَسَجَا لي تلكَ الصورةَ البسيطة !
لا أعلم .. هذا ما أراه بأمِّ عيني ، بياضٌ ونقاءٌ و صمتٌ بلا حراك .. هذا ما أراه حقاً . تلاطمي يا ثلوجُ أكثرَ فأكثر . لعلّني أطمِسُ عالَماً كنت أعيش فيه...إلى هنا و كفى !
استيقظ من حُلمِكَ البسيطِ الساذج ، وانظر بياضَ الثلجِ الذي تتغزّلُ به. أخرج من حُجرَتِك و ابتَعِد عن مدفأتِك و اشعر بحرارةِ الثلجِ الملتهبةِ الحارقة..
هل رأيتَ في لوحَتِكَ نساءً يحضُنّ أبناءَهنَّ كي يُذهِبنَ تلكَ الثلوجِ عن صغارِهِنَّ .. أم هل رأيتَ أطفالاً يرتعشون ، يرتجفون ، تحتَ تلكَ اللوحة البيضاء؟!
هل رأيتَ في لوحتِكَ مدافئ ! أم لهيبُ الثلجِ يكفي تلك القلوبِ العاريةِ التي تسُدُّ رَمَقَ عيشِها بالفُتاتِ وتكتفي بالصمتِ و تصفيقِ الأسنانِ بالعَراء!
استيقظ يا هذا و ابتعد عن مِدفأتِكَ و أغلِق سِتارَ نافِذَتِكْ ، فلوحَتُكَ الجميلةُ ناقِصَةٌ و حُلمُكَ البريءُ تائه.. ابقَ متيقظاً وارقُب نساءً و شيوخاً و أطفالاً في خيامٍ مهما اشتدَ عُودُ منزلهم لا يلقَ نسْمَةَ هواءٍ باردة ، و ابتسم ابتسامةَ ألمٍ لعل بكاءَ الفرحةِ و أنينَ الأملِ يَجِدُ طريقاً في حياةٍ بياضُها سوادٌ و ظلام ، و رائحةُ رَيْحانِها ألمٌ و دماء...
محمود صالح - اللهيب الأخضر