لم أجد طريقة أغتسل بها من الأوساخ التي علقت بكياني وشعوري بعد مشاهدة ما أنتجه خيال الرافضي ياسر السفيه البغيض المريض.. إلا بالعودة مرة أخرى إلى اللوحة التي رسمها أحد أدباء العربية الكبار لتلك الشخصية التاريخية الكبيرة.
المشهد الفج الذي يعبر عن شذوذ فكرى وعقلي وانحطاط إنساني أصابني بالغثيان والقرف.. ولم أقدر على مواصلة المشاهدة والاستماع إلى هذه القاذورات والبذاءات التي لا تصدر من شخص سوى.
وحرت ماذا أفعل؟.
فلم أجد أفضل من العودة إلى "الصديقة بنت الصديق" بريشة أحد كبار العقلاء الأسوياء الذين أنجبتهم أرض الكنانة.. وهو الأديب والكاتب الكبير عباس محمود العقاد.
ليس هناك مجال للمقارنة بين فكر وفكر.. وثقافة وثقافة.. وأسلوب وأسلوب.. وعقلية وعقلية.. لكن فقط كانت رغبة شخصية ملحة بأن أعود لتلك اللوحة الأصلية بريشة العقاد لشخصية أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر رضي الله عنها.. لوضعها في مكانها المستحق في معرض ما كتبه وصوره الأدباء والكتاب العظام عن تلك الشخصية العظيمة.
وأنا على يقين.. وهذا عن تجربة وممارسة.. أننا ما دمنا نمارس الإبداع الراقي الحقيقي ونعيش مع عقول المفكرين الكبار والعلماء الأفذاذ ، فلن تؤثر في كياننا وشعورنا لحظة واحدة تلك الأعمال القذرة التي تنتجها عقليات ملوثة مصابة بالتشوه والشذوذ.
وعفوا ًلأديبنا الكبير أن استخدمت عطوره ومشاهده وسطوره في التخلص من وساخات هذا السفيه.
لكن عذري الوحيد أنني أحب العقاد وأفرح بالعودة بين الحين والآخر للوحاته المتقنة فائقة الروعة والجمال.. بقدر كراهيتي لمدعى الثقافة الساعين للشهرة بلا زاد ولا رصيد.. ومن ينشرون على الناس أشياء ً يظنونها أفكارا ً وابتكارا ً.. وهى مكانها الجدير بها مكب النفايات.
عدت سريعا إلى لوحة العقاد الجميلة التي رسمها لشخصية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.. ورأيت أن أنقل لكم بعض مشاهدها في لقطات سريعة وومضات خاطفة.
الأنثى الخالدة
السيدة عائشة رضي الله عنها مثل من أمثلة الأنوثة الخالدة في جميع أقوامها وجميع عصورها.. فضلها في الكتابة عنها أنها كتابة عن الأنوثة التي نلمحها حولنا ونلمحها من قبلنا في كل أنثى.
وأنها ترينا النبي في بيته.. فترينا الرجل الذي ارتفع بالنبوة إلى عليا ً مراتب الإنسانية.. ولكنه مع هذا هو الرجل في بيته كما يكون الرجال بين النساء على سنة الفطرة المعهودة من آدم وحواء.
وفضلها على الجملة أنك تقرأ من أخبارها ما تقرأ.. فلا تزال تقول بعد كل خبر ترويه أو يرويه غيرها:
أجل هذه هي الأنثى الخالدة في كل سمة من سماتها.
هذه هي الأنثى الخالدة في غيرتها
وهذه هي الأنثى الخالدة في دلالها
وهذه هي الأنثى الخالدة في كل ما عرفت به الأنثى من حب الزينة وحب التدليل والتصغير.. وحب التطلع وحب المكايدة والمناوشة.. ومكاتمة الشعور والتعريض بالقول وهى قادرة على التصريح.
ابنة أبى بكر
الظاهر أنها ورثت عن أبى بكر كثير من خلقه وخلقه على السواء.. فقد كان جميلا ً.. حتى جاء في بعض الروايات أنه لقب بالعتيق لجماله.
كان نحيلا ً دقيق التكوين كما هو مشهور.. وكانت فيه حدة الطبع مع حدة ذكاء.. وكان كريما ً سريعا ً إلى نجدة المعوزين والضعفاء.. وكان صادق المقال لم يؤخذ عليه كذب في الجاهلية ولا في الإسلام.. وكان ماضي اللسان.. قديرا ًعلى إفحام من يجترئ عليه.
وتشبهه السيدة عائشة في هذه الخلائق شبها كان يوحى إلى النبي عليه الصلاة والسلام كلما سمعها تجيب من يساجلها أن يقول:
"أنها ابنة أبى بكر.. أنها ابنة أبى بكر"
الصديقة بنت الصديق
في الغاشية التي أطبقت على العالم الإسلامي من جراء الخلاف على الخلافة.. تطايرت الأحاديث الموضوعة من هنا وهناك ، وتعمد أناس أن يصوغوا من عندهم حديثا لكل حزب ينصره ويرضيه.. ويكبت خصمه ويخزيه.. وتفنن الوضاع في محاكاة الأحاديث النبوية ذلك الافتنان الذي شقي به المحققون للروايات بعد ذلك بسنين.
وكانت السيدة عائشة تشترك في خصومات المتخاصمين على الخلافة باختيارها أو اتساقا إلى المشاركة فيها على كره منها.
وكانت هي أول من يسمع له إذا روت حديثا يدمغ خصومها ويعزز أنصارها.. ولكنها لم تنقل قط في كل ما ثبت نسبته إليها حديثا ً واحدا ً تمسه الشبهات من قريب أو بعيد.. ولا تؤيده الأسانيد الأخرى.
ولم تحرف كلمة واحدة إلى غير مواقعها طواعية لإغراء تلك النوازع النفسية التي تطيش بالألسنة أو تضلل العقول.
وهو امتحان ليس أعسر منه امتحان في هذا الباب ، ولهذا كانوا يروون عنها الأحاديث فيقولون: "حدثتنا الصديقة بنت الصديق".
أفقه الناس.. وأعلم الناس
روت للنبي عليه السلام أكثر من ألفى حديث في مختلف المسائل التي تدخل فيها الأحكام الشرعية والعظات الخلقية والآداب النفسية.. والأصول التي يرجع إليها في الدين والعبادة.
يروى الثقات أنها كانت تحفظ وتفقه وتفكر.. ولا يقتصر علمها على وعى الكلمات والعبارات.
قال أبو موسى الأشعرى: "ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها علما فيه".
وقال عطاء بن أبى رباح: "كانت أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا في العامة".
وقال عروة بن الزبير: "ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة".
كانت تحبه
كانت تحبه حب المسلمة لنبيها.. وكانت تحبه حب الزوجة لزوجها والمرأة لرجلها.. وكانت تعجب بجماله كما تعجب بأدبه وعظمة قدره.
حكمة بليغة
زواجه من خديجة في بدايات حياته كان أنفع للفتى اليتيم الذي فجع في حنان الأمومة منذ الطفولة الباكرة.. فتزوج من زوجة كريمة رشيدة كالسيدة خديجة التي أغدقت عليه من حنان الأمومة ما فاته.
أما النبي في الخمسين من عمره فقد كان أنفع له وأبهج لفؤاده أن يغدق حنان الأبوة على زوجته التي تظفر منه بالحظوة والمودة.. وأن يستروح من شبابها وجمالها نعمة تسعده في جهاده.. وربيعا يظلله في وحشة عمره.
نفس قريبة من نفس الرسول
ومن الجائز – أو ربما كان الواقع – أن زميلاتها أمهات المؤمنين كن يغرن على النبي مثل غيرتها.. ويجهدن في رضائه مثل جهدها.
ولكنهن – ولا ريب – لم يبلغن شأوها في حبها إياه ، حين نفهم من الحب ذلك الاقتراب بين النفسين بالبداهة والشعور ، وليس في أحاديثهن عنه من ذلك الإحساس بالقرب وذلك النفاذ إلى الطوية.
أغراض الافك
حديث الافك حديث وشاية عن رجل وامرأة ، وهما أعظم الرجال وأعظم النساء.. وفى اللغط به غرض قوى لأكبر زعماء الخزرج في زمانه.. وغرض قوى لكل من يبغى المساس بالنبي وبالإسلام كله من طريق المساس بنبي الإسلام.
ولولا ذلك لما سمع بحديث الافك ، ولا استحق أن يصغى إليه.. لأنه أوهى وأسخف من أن يطول فيه تصحيح وتفنيد.
ماذا يريد ياسر البغيض؟
وأن غرض ابن سلول هذا لهو بعينه.. غرض كل متشبث بحديث الافك إلى يومنا هذا.. ليتخذ منه سبيلا ً إلى الطعن في الإسلام ونبي الإسلام.
مكانة المرأة في الإسلام
نشأت عزيزة في آلها وذويها.. عزيزة في بيت أبيها.. عزيزة في أعز البيوت العربية بعد زواجها.
فمن الحق لها ولنشأتها.. ومن الواجب لها ولنشأتها أن يؤبه لها طوال حياتها.. وألا يكون فراغها بمثابة الإغضاء عنها.
هذه حقيقة لو التفت لها ولاة الأمر كما ينبغي في حينها.. لسلمت السياسة العامة في ذلك الحين من جرائر الخطأ الذي وقعت فيه.
حقوق المرأة في الإسلام
لم تأت العصور بعد ذلك بإنصاف للمرأة أصوب من هذا الإنصاف.. فليس المهم أن تساوى الرجل في كل شيء وأن يكون لها مثل حقوقه ومثل واجباته.. لأن المماثلة مع الاختلاف ليست هي الصواب وليست هي الإنصاف.
ولكن المهم أن تكون حقوقها مساوية لواجباتها ، وأن يكون لها مثل ما عليها.. وألا تظلم في حياتها الخاصة والعامة شيئا ً.. ولا يفوتها عمل تصلح له وتحسن أداءه وتغنى فيه غناء الرجل ، ولا يغنى فيه الرجل غناءها.