مكابّدة
كلُّ الدروبِ صوبَكم مُوصَدة ما أبعدَ الوصالَ؛ما أبعدَهْ! جُدتُم بطيفِكم على خافقي لا تتركوه في الضحى مفردَهْ ما ضرَّ طيفًا منكمُ إن سرى إلى حنايا مُهجةٍ مسهدَهْ أخلدَ جفنًا مكرَهًا للكرى لولا انتظارُ الزَّورِ ما أخلدَهْ يلوذُ بالفضاءِ مستعطفًا فربَّ حبلٍ واصلٍ أنجده والهدهدُ الخفيُّ في هاتفي يسألُ في هاتفِكم هدهدَه أحاطَ زاجلاً بما لم أُحِطْ به وشاقني بما أوردَه هل أشبع الأثيرُ من لهفةٍ أو أطفأ الصدى صدىً ردّدهْ؟ سرى فأخلى حرَمًا آمنًا واختطَّ من ضرارِه مسجدَه وازورَّ عن أفياءِ زيتونةٍ ثم استفاقَ في ضحى غرقدة يخبطُ والقتادُ نعلٌ له وللسرابِ بارقٌ أرمدَه يُجالدُ الدنيا على قشرِها لولا لُبابُ القلبِ ما أزهدَهْ! يلفحُه الهجيرُ في قِيعةٍ حتى إذا جَنَّ الدجى أوقدهْ شوقٌ يلوك باللظى صدرَه هيهات للدموعِ أن تُبْردَهْ في غرفةٍ صماءَ هاج البكا وما سوى وقرٍ بها أسعدَه يُغشي عيونَها بتدخينِه كي لا ترى دمعًا له جرّدهْ قلبي قديدٌ مِيرَ في أضلعي وملحُ أسفارِك ما قدّدهْ حَنَّ حنينَ الجذعِ لمّا رأى حبيبَه مفارقًا مسنَدَهْ أحبّتي أنا على عادتي: مسافرٌ مرتقِبٌ موعدّهْ بئست هي العادةُ؛لم تكذبوا وبئس حالُه الذي عوّدهْ تسرقُني السنونَ منكم؛فمَن يكفُّ للسارقِ هذا يدَه؟ يا كوّةَ الشعاعِ في عتمتي يا كُحلةَ الفؤادِ يا مرودَهْ لا تغضبوا على أبيكم إذا ما حَلَّ موعدٌ فما مدّده ضيفًا يزور بيتَكم ما استوى بمقعدٍ حتى قلى مقعدَهْ متّكأي لما يزل غائرًا وعلبةُ التبغِ على المنضدة تلك حقائبي على حالِها شعثاءَ من ترحالِها مجهده لا تُفرغوا حاجاتِه كلَّها فبعضُها يبقى كما نضّدهْ . . ودّعهم واليدُ منصوبةٌ حتى انثنى والحزنُ يُرخي يدَه خلف المدى من كبْدِه فلذةٌ هل عرف الفراقُ كم كبّدهْ؟