الصمت يقطعه الحوار الضاحك مع المذيعة المتأنقة ، ممددة ترفع الصوت بالريموت كنترول ولا يبدو عليها الانزعاج من حديثه حول التهديدات بالقتل التي تأتيه بسبب مواقفه السياسية . قهقهت مرددة بلهجة ساخرة كمن اصطدمت فى طريقها بفرصة عمرها : اغتيال !
تأتيها الكرة فى وضعية مريحة لم تحلم بها ، وما عليها الا أن تحرز الهدف وتثأر لهزائمها الثقيلة .
تراوح بصرها بين المذيعة ذات الدلال وبينه بملابسه الزاهية وحذائه اللامع وشاربه الكثيف وابتساماته المصطنعة ، وبين الريموت كنترول الأسود المدبب الذي أمسكته بيد واحدة على هيئة مسدس ، مصوبا ً مباشرة باتجاه رأسه .
عدلت من جلستها ووضعت ساقاً على ساق وأحكمت غلق ثيابها وثبتت بصرها بحدة على الهدف وضغطت بشدة على الريموت وحركت اصبعها السبابة .. تِك تِك.. ثم نفخت بشفتيها دخان الكبت الصاعد .
الليلة غير عادية تمنع قلبها من الرقص وروحها من الغناء وتلزم مشاعرها بالوقار وتحرم خيالها من الذكريات .
لا تبالغي في إظهار سعادتك .
ضعي حدا ً لمأساتك ومعاناتك معه .
لا تبدين أمامه تلك المرأة الضعيفة التي كانت .
ولا تحدثيه كثيرا ً عن الفقد والوحشة وطول الانتظار .
كوني قوية متماسكة ولا تخشين بطشه وقسوته .
واجهيه بالحقيقة .
بكذبه وخياناته .
ماذا سيفعل بكِ بعد كل ما فعل ؟
ماذا بعد أن استولى على كل ثرواتك وبعثرها على نزواته ؟
أنا حاربتُ من أجل الوطن .. أنا ناضلت وضحيت بكل ما أملك فداء بلدى الغالى .. أنا سهرتُ الليالي الطوال في خدمة وطني العزيز .. أنا بنيت النهضة وانحزت للفقراء ومحدودي الدخل .
رسمتْ المذيعة ذات الشعر المصبوغ بالأحمر ابتسامة عريضة جدا ًأمام خلفية نيلية تعكس ليل القاهرة الحالم وهى تستأذنه لإفساح المجال لمداخلات السادة المشاهدين .
تنحنح وقال متصنعا ً الثبات : نعم نعم .. ليس لدى مانع ، بكل سرور .
المشاهد سمير يسأل عن تلقيك رشاوى أثناء خدمتك السابقة في مصلحة الكهرباء ؟
أنا لا أرد على اتهامات مغرضة .. ومن لديه اتهام فليتفضل به إلى النائب العام .
المشاهدة سمر تسأل عن اشتراكك في قمع المعارضين السياسيين .
هذه أكذوبة كبرى .. أنا رجل شريف مسالم.. وأنا دائما ً مع حرية التعبير والرأي .
الدكتور رأفت يدعى أن لديه مستندات خطيرة حول إهدارك للأراضي والثروات لصالح الفاسدين بأبخس الأثمان .
كل من لديه مستندات فليتفضل بها مشكورا ً إلى النيابة .. أنا لا أخشى من أحد .. وصفحتي بيضاء ناصعة وناصعة البياض ؟
الدكتورة يارا تشكك في قدراتك في الاستمرار في العمل السياسي بسبب ما يلاحقك من ملفات فساد .. ولأن المرحلة القادمة تحتاج لرجل يحبه الشعب ولوجوه أخرى غير الوجوه القديمة ؟
أنا قادر على الاستمرار.. ومن قال إن الشعب لا يحبني ؟.. الشعب يحبني جدا ً وأنا أحب الشعب.. وهناك ملايين تؤيدني ، والصندوق هو الذى يحكم .
تِك تِك بعين واحدة بوضعية المسدس خفضت بالريموت من صوت التلفاز ، وضغطت بارتياح على أزرار الهاتف .
من المتحدث ؟ .
أنا زوجة مناضلكم السياسي الهمام .
أهلا ً هذا شرف لنا وفرصة سعيدة جدا ً أن تتواصل معنا المدام في هذا البرنامج الجميل في هذه الأمسية الرائعة .
هكذا ردت المذيعة التى بدت متشنجة نتيجة عمليات التجميل والشد والأصباغ الكثيفة ، وهى تتكلف في نطق مخارج الحروف وتعاود رفع قَصْتها الاسمنتية بأناملها الخشبية عن عينيها الجامدتين .
أهلاً حبيبتي .. أعرف جيدا ً لماذا تتصل زوجتي الحبيبة .. فالليلة عيد زواجنا وسنحتفل به معا ً.
أنتظرك الليلة بفارغ الصبر يا زوجي العزيز .
أشتاق إليك وإلى رؤياك .
المذيعة تبتسم في دلال مصطنع قبل أن تصرخ صرخة حرصت على التحكم فى مستواها حتى لا تهدم مكياجها المكثف ، وهى تتابع الطعنة التي تلقاها المناضل السياسي عبر الهاتف من زوجته الحبيبة .
امتقع لون وجهه والتوت عنقه إلى أسفل مع كلمات الزوجة التي خرجت حارقة خارقة كالطلقات .
ما أنت الا كذاب .. خائن .. زير نساء .. مخادع .. طماع .. لص .. مرتشى .
تمددت من جديد وأعادت تصويب الريموت الى الشاشة .. تِك تِك .. ونفخت بتشفى فى طرفه المدبب .