حَمَلَ على كاهِلِه – ولعُقودٍ طويلةٍ – آلامَ أمّتهِ ، يتمنّى لها أوْبَةً إلى عَهْدِ السَّعادةِ ، حيثُ على ذكرِ القلبِ ولَمَعانِ المواضي ينحني الخافقانِ انبهارًا ، وتروي عيونُ المَجْدِ أعيُنَ التأريخِ ودَوْحَةِ الخالِدين . وإن عاش الوحيدَ لأبويهِ معَ أربعِ بناتٍ لكنّه ظلّ ذلكَ الصابرَ الأشمَّ لا تُثْني عَزائمَهُ وفْرةُ الشَّدائدِ ، ولا تعيقُ جلادَهُ الغَرابيبُ الراسياتُ ، وهو يحملُ - دائمًا – منديلاً في يديهِ كلما جلسَ متفكّرًا يُكفْكفُ بهِ دمَعَهُ المِدرارا قائلاً :
إنّ الرجالَ لا يبكونَ ولكن هيَ عَبَراتٌ تسكبُها المآقي حسْرى على ما آلت إليه أمّةُ الحبيبِ والواقعُ المريرُ . وعهدَ يجلسُ في وزارتِهِ الذي أسَّسَ هو ديوانَ الرقابةِ الماليةِ فيها يكتبُ شيئًا ، فإذا ما احتاجَ إلى أمرٍ خاصٍّ به أخرجَ قلمَه لا قلم المكتب ليكتب به ، وإذا أراد قضاءَ حاجةٍ له ذهب واستقلّ سيارة للأجرة لا سيّارة الوزارة !! .
يُردّد علينا – وقد بلغ به العُمُرُ عِتيّا – حين نكون في ساعة مُحاضرةٍ وهوَ يَلتقِطُ المايك مُعطّرًا ما قاله أحّد الناس :
إنّ الثمانينَ وبُلّغْتُها ... قدْ أحْوَجَتْ صَوْتي إلى تُرجمانْ !
تصوّرَ – قبيلَ عقودٍ - فصوّر ثورةً شعبيّةً يقودُها شبابُ الأمةِ قاصدةً إولى القبلتين ، فقال حينها :
أرى في القدس تشتبك الأيادي .. وكم للقدس من أنِفٍ وصادِ
أزيزٌ في الفضاءِ وسِربُ جِنٍّ .. وآياتٌ ترتّلُ للجهادِ .
ولمّا انقضى هزيعٌ من الليلِ ذاتَ شتاءٍ مَطير ، في إحدى الليالي الغابرات من عام 2000 ،
أرْسَلَ في طلبَ ولدِه يُحدّثُهُ ويوصِيه ، فهمَ الإبنُ اللبيبُ ما يَجولُ بخاطِر ِوقلبِ والده فقال له على
حينِ دهشةٍ ونشيجِ صدرٍ وأنينٍ : اقتربَ الأجَلُ أيْ سيّدي ؟
فأجابَهُ بلسانِ القويِّ الأمينِ الواثقُ المتّزنُ : بلْ قُلِ اقتربَ الأمَلُ يا ولدي .......!! .