مقال كتبته فى عهد الدكتور مرسى عنوانه " يد من حديد فى ذراع من جريد " ، باشارة الى جملة قديمة قالها العقاد رحمه الله أشهر معارضى حكومة محمد محمود الذى هدد قائلاً " سنضرب بيد من حديد " ؛ فكتب المفكر مقالاً عنوانه " يد من حديد فى ذراع من جريد " . طالما لوحت يد مرسى وأصابعه بالتهديد ، لكنها كانت بلا ذراع وعضلات وبدون فعالية ؛ حتى بدت القوى الرجعية – كما كانوا يُسمون القوى الموالية لعهد ما قبل ثورة يوليو – أقوى من مرسى ومؤيديه . اليوم يتقدم السيسى بشخصية سياسية متواضعة ومواهب محدودة وقدرات خطابية هزلية بالمقارنة بقدرات زعماء كبار امتلكوا ناصية البيان والتأثير فى الجماهير بأصوات نافذة وأداء حركى مذهل كعبد الناصر والسادات على سبيل المثال . بمعايير القيادة الذاتية فى بلد بحجم مصر يظل أخطر ما سعى اليه من وصلوا لرأس الحكم قديماً وحديثاً هى تلك المهابة لمجرد رؤية الملايين لرئيسهم وسماع صوته ، وهذا ما لا يتوفر بالمرة عند سماع السيسى أو رؤيته بهذا الامعان فى اظهار التأدب والخجل والجانب العاطفى وابتسامة غريبة تنتمى لأى أحد الا صنف الزعماء . سياسياً ليس هناك شخصية فى المشهد الآن بضعف المشير السيسى رغم المحاولات الاعلامية لاثبات عكس ذلك ، فالرجل ملاحق برفض قطاع واسع من الاسلاميين والمتعاطفين معهم ، ويخوض مباراة ليست أكثر من تقسيمة ودية بين الناصريين بعضهم بعضاً ، والرابح فيها لن يكون الا ناصرياً ، وسيظل حريصاً على عدم اظهار ميله لرجال ورموز نظام مبارك ، وخسر شباب الحراك الجماهيرى ، بمعنى أن اختيارات السيسى ومساراته السياسية محدودة جداً ، ودعمه لن يكن من منطلق سياسى انما دعم لوجستى اعلامياً وأمنياً .. وكنسياً – للأسف - . مُرسى عجز أمام كتائب اعلامية متوحشة ، فشل هو ورجاله فى استئناسها وترويضها والتعامل معها باللغة التى لا تتقن غيرها وهى لغة المادة والبيزنيس ، كما فشل فى مواجهتها بكتائب اعلامية مضادة ، وهى كانت ولا زالت ذراع السيسى القوية . جمال عبد الناصر كان قوياً يمتلك مؤهلات الزعامة وسط نظام سياسى ضعيف وحاشية فاسدة وجهاز أمنى ومخابراتى واعلامى قوى ، والسادات امتلك مؤهلات الزعامة فى مناخ سياسى تنافسى دعم من حضوره سياسياً وأظهر امكانياته فى المناورة واللعب ببراعة مما أسهم فى التقليل من اعتماده على القوة الاعلامية والأمنية الباطشة ، ومبارك كان استثناءاً حيث يختلف توصيفه باختلاف المرحلة لكنه لم يعدم فى جميع مراحل حكمه من الذراع الأمنى والمخابراتى القوى الذى لجأ اليه لتأمين حكمه بعد اغتيال السادات ، ومرسى فشل تماماً فى امتلاك هذا الذراع فظلت يده ضعيفة غير قادرة على الدفع ولا المقاومة . هتف الشباب قبل أعوام بسقوط الحكم العسكرى ، ثم تمنوا فرضه مدداً أطول بسبب الصراع مع الاسلاميين ؛ ولأنه – بزعمهم وحسب تصوراتهم الطارئة - لا بديل للفوضى والاقتتال والتخريب الا تكريس حضور الجيش فى الحياة السياسية وتقليص فرص انهاء الفترة الانتقالية بأسرع وقت ، وهم أول من اكتوى بنار هذا الحضور الآن ويعجزون أمام نفس المعضلة التى يعجز أمامها الاخوان وهى الذراع الحديدية ، ولم يستفد خلال الأشهر القليلة الماضية سوى من كان مستفيداً فى عهد مبارك . يحاول الاسلاميون مؤخراً الاقتراب من جديد للصف الثورى والاعتذار له وتقديم تنازلات ، حتى لا تظهر من جهة كتنازلات مباشرة للسلطة الحالية ، وليمتلكوا بعض القوة فى مواجهة ذراع السيسى الحديدية . الخلاف بينى وبين من يحاورنى الى الآن من القادة الاسلاميين ورموزهم حول نقطة جوهرية حول الثابت والمتغير ، خاصة بشأن اعتبار العلاقة مع المؤسسة العسكرية كثابت استراتيجى لا كمتغير سياسى . هم يخلطون الأوراق والقضايا وتأخذهم العداوة مع السيسى للعداوة مع الجيش ووضع ثقهم الكاملة فى أطراف المشهد السياسى بالرغم من أن التجارب أثبتت أنهم لا يوثق بهم وأنهم أكثر الناس حقداً وكراهية للاسلاميين . أمامى اصرارى القديم الذى لم يتغير على أن تظل العلاقة بالأطراف السياسية متغيرة حسب المصلحة وتثبيت العلاقة مع الجيش ، فى الوقت الذى كان من الممكن – لو أحسن الاسلاميون الأداء – أن يكون الجيش – بلا مبالغة – ذراعهم ، لا ذراع السيسى