ـ ما هى أهم النقاط - فى نظرك - التى يجب على الحركة الاسلامية رصدها ومراجعتها وتدشين خطاب اسلامى وفقهى جديد ومتطور بشأنها ، لتحظى الحركة بتطوير للسياسة الشرعية بما يتوافق مع متطلبات العصر وطبيعة المرحلة التى نحياها ، وحتى لا يبقى الاسلاميون مستغرقين فى قضايا وخطاب لا ينتمى لهذا العصر ولا يناسب ظروفه ومستجداته ؟
سيد قطب رحمه الله في كتابه ( نحو مجتمع إسلامي ) فرق بين الشريعة التي هي وحي من الله تعالى ، وبين الفقه الذي هو من فهم البشر وتفسيرهم للشريعة ، وخاصة في فقه المعاملات ، لأن فقه العبادات تتميز بالثبات والاستقرار ..
وهذا الفصل .. وهو لا يعني القطيعة مع التراث والتنكر له .. ضرورة ملحة لفرز ما هو مقرر بالوحي ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وبين التراث وما يحمل من موروثات وعادات وأوضاع خاصة ..
لماذا هذا الكلام ؟
لأنه بدون هذا التفريق والفصل ، سيظل خطابنا الإسلامي جامداً لا يرقى إلى مستوى تحديات العصر ، وخاصة في مجال سؤالك عن السياسة الشرعية ، فالفقه لا ينزل إلى المجتمع من فوق ، وإنما ينبع من المجتمع ومشكلاته وتحدياته وقضاياه ..
فكما تعلم أن القرآن الكريم والسنة المطهرة لم يتطرقا إلى السياسة الشرعية بكل جزئياتها وتفاصيلها ، وإنما وضعا القواعد الكلية والمبادئ العامة لها ، وتركا الآليات وطرق التطبيق للاجتهاد والتجربة ..
ولذا يقول الإمام الجويني في كتابه الغياثي : ( ومعظم مسائل الإمامة عرية عن مسالك القطع خلية عن مدارك اليقين ) .
وقد كتبت بحثاً صغيراً نشرته هنا في الواحة ( قصة الشورة بين المبدأ وآليات التطبيق ) ، بيّنت فيه ثبات مبدأ الشورى ، واختلاف آليات تطبيقه في عهد الخلافة الراشدة ..
ولذا نحتاج إلى مراجعات جادّة وعميقة في الفقه السياسي ، مستندة إلى الكتاب والسنة ، ومراجعة الإرث السياسي المتراكم ، والتعامل معه وفق نظرة منهجية حديثة..
وقد كتب الإمام الجويني كتابه ( غياث الأمم في التياث الظُلم ) المعروف بالغياثي ، فأجاد وأفاد ، وأتى فيه بالعجائب والآيات ، إذ إنه عالج المشكلات بالرجوع إلى كليات الشريعة ومقاصدها ، ولا يحفل كثيراً بالخلافات الفقهية ، وهذا ما نحتاجه في زماننا ، فليت شعري .. أين نحن من هذا الكتاب القيّم !
ومن المعاصرين الذين فتحوا باب المراجعة والتجديد في الفقه السياسي ، الشيخ يوسف القرضاوي في أكثر من كتاب ، والشيخ المقاصدي احمد الريسوني في كتابه (فقه الثورة) و (فقه الاحتجاج والتغيير) ، والدكتور جاسر عودة في كتابه (بين الشريعة والسياسة " أسئلة لما بعد الثورة ") ، والشيخ سلمان العودة في كتابه (أسئلة الثورة) ، وغيرها ..
فعلينا أن نهتم بهذه الكتب قراءة وتحليلاً ونقداً ، حتى نبني خطاباً سياسياً شرعياً ملائماً للعصر ..
وإذا أخذنا مثالاً عن إشكالية تعاملنا مع الفقه السياسي ، وهو مسألة الخروج على الحاكم الظالم الفاسق ، لرأينا أننا لا زلنا نتعامل معها بعقلية التراث ، حيث كان الحاكم ـ ولا زال في دولنا العربية ـ هو مدار الحكم ، إليه ينتهي أمر الدولة كله ، ولذا فأي مساسٍ بالحاكم كان مساساً بأمن الدولة واستقرارها ..
بينما نرى اليوم في البلاد المستقرة سياسياً ، أن المؤسسة ، لا الحاكم الفرد ، هو الذي يحكم ، فلنتصور ماذا سيحدث لأمريكا لو قررت عزل رئيسها أوباما ؟
لا شيء .. ستظل الدوائر والشركات والمدارس والمستشفيات تعمل .. سيذهب الناس إلى أعمالهم .. سيستمر الدعم اللامحدود لليهود .. وسيستمر هوليود بإنتاج الأفلام ..
وتصور أن رئيساً عربياً مات ، ماذا سيحدث ؟!
المشكلة أننا نسحب التراث معنا بكل عاداته وخصوصياته وتحدياته ، ولا نُبالي بالتغييرات الهائلة التي حدثت في السنوات الأخيرة في بنية السياسة العالمية ، وحجم التحديات التي باتت تواجه أمتنا التي تتميّز عن الأمم الأخرى بأنها تربط الأرض بالسماء .. الدنيا بالآخرة .. في عالم براغماتي ميكافيلي ، ملتصق بالأرض !
ـ ثانيا : نريد أن نعرف أكثر عن تجربتك الابداعية من جميع جوانبها الفكرية والانسانية ، وعن دور الأديب الملتزم فى هذه الفترة وكيف ننافس فى سوق الادب الجماهيرى ونصل لمستويات جماهيرية يطالها غيرنا بالجذب والتأثير ؟
يا أستاذي الحبيب أنا لم أصل إلى الإبداعية بعد
..
لكني سأحدثك عن دور الأديب الملتزم ، وقد تكلمت عنه فعلاً في إجابة سابقة .. وأقول الأديب الملتزم اليوم له دور كبير في توجيه دفّة الوعي الجماهيري ..
ويحتاج إلى دعم كبير من المؤسسات الاعلامية ، ووسائله العديدة .. إن العقلية والوجدان اليوم تتشكل وفق أطروحات الشاشة الساحرة ، آلاف الأفلام والمسلسلات تُنتج ، وهي تنفثُ في رُوع المتلقي ثقافة المادة وتقديس الذات والاستهلاك ، ناهيك عن العري والسقوط الخُلقي !
إننا أخطأنا عندما حرّمنا التلفزيون بحجة سدّ الذريعة ، وكان يمكن تحمّل مفاسده لسنوات معينة ، لصالح بناء مؤسسات إعلامية وانتاجية إسلامية ملتزمة .. ولكن سبق السيف العذل !
وعلى الأديب الملتزم أن يشحذ الهمة ، ويواصل الليل بالنهار ، ليرقى أدبه إلى العالمية ، فالمهمة ليست بالهيّنة ، وخاصة في عصر العولمة ، وتحكم السياسة والاقتصاد بالأدب !
أرجو أن تكون إجابتي موفقة ومفيدة
تحاياي ودعواتي