تطورات هامة جداً ومتسارعة بعد انفراد الاخوان عن حلفائهم الاسلاميين بتوقيع وثيقة بروكسل مع تيارات ليبرالية كخروج آمن من الأزمة خاصة بعد فشل تحالف دعم الشرعية الذى يقوده الاخوان فى تحقيق أياً من المكاسب التى ظل يترقبها الشباب والشارع الاسلامى لشهور عديدة . فوجئت الجماعة الاسلامية – الحليف الأقوى للاخوان – بالوثيقة وبعدم دعوتها ، فجاء بيانها رداً عليها رسالة قوية للاخوان ، بل وتجاوزاً للاخوان فى الطريق الذى أرادت الجماعة الأم أن تسير فيه بدون الجماعة الاسلامية أو على الأقل عندما أرادت الاخوان الاسراع بخطوة للأمام غير متفق عليها لجعل الجماعة الاسلامية خلفها ؛ وذلك على مستويين : ما جاء فى بيان حزب البناء والتنمية من ملاحظات صيغت بصنعة سياسية ماهرة ، فيما أعتبره أفضل بيان أصدره الحزب منذ تأسيسه الى الآن وهذا يدل على حس سياسى غير تقليدى وتطور نوعى بعد أداء نمطى وبيانات ردود الأفعال داخل العباءة الاخوانية الفضفاضة . وأظن أن الفقرة " ب " من البيان كافية لتحديد الغاية الأساسية من اصداره ، بغض النظر عن فقرات العتاب الرقيق ولوم الاخوان لتحركها الأحادى وبعض الاضافات الخادمة لتلك الغاية ، وهى ليس فقط اللحاق بالاخوان التى سبقت بخطوة ، انما بتجاوزها ؛ فالفقرة تتحدث بوضوح وبحسم غير مسبوق عن " اعلاء الارادة الشعبية على كل الارادات بما يمنع هيمنة المؤسسة العسكرية أو استحواذ جماعة الاخوان أو أى فصيل آخر على مقدرات الوطن ، وبما يؤدى الى تأسيس دولة مدنية ديمقراطية حديثة بعيدة عن الحكم العسكرى أو الحكم الثيوقراطى ، تحفظ فيها الحقوق والحريات العامة والخاصة وفقاً لدستور يعكس التوافق بين جميع مكونات الوطن " . الاخوان بانفرادها واغفالها للجماعة الاسلامية وحزبها السياسى فى بروكسل ، ربما أرادت اظهار الجماعة الاسلامية كعائق ، وأن الاخوان بمفردها – بدون الأجنحة المتشددة - ستكون أكثر قدرة على الابداع والمرونة فى تحالفات من هذا النوع وفى الحديث عن الدولة المدنية والديمقراطية ، فردت الجماعة الاسلامية الصاع صاعين ؛ أولاً بالتأكيد على أن حكم الاخوان المسلمين – وحددتها بالاسم – حكم ثيوقراطى دينى ، لا يقل خطراً على الحريات ومدنية الدولة والمواطنة عن الحكم العسكرى . وثانياً – وهذا هو المستوى الثانى من الرد – بالقرار الجرئ بضم جميع أعضاء الجماعة الاسلامية لحزبها السياسى ، بما يعنى التحول الشامل من حالة التنظيم والجماعة الدينية الى الممارسة السياسية والانتماء الحزبى ، وهى خطوة أخرى تسبق بها الجماعة الاسلامية جماعة الاخوان المسلمين فى طريق التحول والتطور السياسى ، لتقدم الجماعة الاسلامية نفسها للقوى والتيارات الفكرية والسياسية الأخرى كشريك سياسى بخطاب متطور وبحزب يبدو أكثر صدقية فى كسر اشكالية الذراعين – السياسى والدينى – فيمَ تظل جماعة الاخوان عاجزة عن القيام بهذه الخطوة . من الترف الآن الحديث عن تحالف دعم الشرعية بعد هذه التطورات ، فقد صار اسماً بلا مسمى ، والفعاليات على الأرض تنظمها كيانات ثورية اسلامية وغير اسلامية استغنت معظمها عن تلك القيادة وعن توجيهاتها قبل شهور . وان جاء متأخراً وتحت ضغط الواقع ، لكنه تطور وتحرك ايجابى يتيح للحركات الاسلامية الكبرى والتقليدية مساحات واسعة للتحرك والابداع السياسى ، فيما يظل الشارع يقود نفسه بنفسه ليزداد الزخم الثورى مع تراجع الشحن والحشد على خلفيات دينية وأيديولوجية . أعتبره أهم تطور فى المشهد الاسلامى خلال الشهور الماضية ، ولا خوف بالمرة من تفكيك التحالف الاسلامى ، ولا حتى من هذه المنافسة بين فصيلين اسلاميين كبيرين ، فهى خطوات ضرورية لتوحيد الصف الوطنى وتقوية جبهة المعارضة ، واعطاء الفرصة لكل تيار للابداع وتقديم أرقى وأفضل ما لديه من خبرات وأفكار ومواقف تنقذ الاسلاميين من خطر التهميش والاستئصال ، وتأخذهم بعيداً عن التخندق جميعاً فى زاوية واحدة يسهل باستهدافها الاجهاز عليهم .