يخرج الناس الى الشوارع والميادين طلباً للحرية ويحجمون عن الخروج للجان التصويت طلباً للحرية ، تتنوع الوسائل والغاية اعاقة صناعة أصنام بشرية جديدة ووضع نهاية للظلم والاستبداد . خطورة مشهد الانتخابات الرئاسية أنه يعيد للأذهان سيناريو انتخابات مبارك وخاصة انتخابات 2010م التى فجرت الغضب بعد سنوات من الصبر ؛ فالاقبال ضئيل وروح التنافسية غائبة ، والاصرار على تمريرها بدون مشاركة شعبية فعالة قائم ، ثم تنتهى بصورة مشوشة تكرس الريبة وتعكس حجم الاستخفاف بالأحداث والتضحيات والعقول ، وليست اهانة فقط لذكاء الشعب المصريين – كما تحدث حمدين صباحى عن الأرقام المعلنة وكما ذهب الشيخ مظهر شاهين بأن غياب الشباب بسبب الحشيش ، انما احتقار لتضحياته ، وكأنه لا تكفى هذه الأرواح البريئة التى زهقت من مدنيين وعسكريين لينعم المصريون بديمقراطية حقيقية وبمسئولين ومؤسسات يحترمون ارادتهم . يدعى الاعلام ضخامة الحشود ، والشوارع واللجان والصور والفيديوهات وجولاتنا وشهادة الشهود ورجل أمن يداعب دجاجة أتت لزيارة اللجنة ومشهد قطيع من الخراف يسير أمام لجنة خاوية وارتباك الاعلاميين ونجيب جبرائيل يصرخ فيهم " ما عاد من الممكن الضحك على الشعب مرة أخرى فاللجان خاوية " ، ليأتى مشهد الرقص الجماعى لمؤيدات رجل المرحلة ليغطى على الخيبة ، فلم يفلح الخداع البصرى ولا حشد الناس بوسائل الترغيب والترهيب والتهديد ، فلترقص النساء ولتصور الكاميرات لاستهلاك مشاهد الفرحة الراقصة فى ترويج النصر المزعوم ولاغاظة الخصوم . مشروعية النظام الحقيقية وادارة عملية سياسية تنافسية وتبنى مطالب الثورة واحداث تغيير جذرى وحقيقى فى المشهد السياسى وتطليق عهود التزوير والاستخفاف بالعقول ، كل هذا كفيل بانهاء الاحتقان واحتواء المعارضين والرافضين واقناع الشباب بالمشاركة ، ويظل الصراع دائراً على الأرض مع مساحات واسحة لتغذية التطرف والعنف ما دام هناك تنازع مشروعيات وسحب الشكوك حول شرعية النظام القائم ، ولا يكفى أن مؤيديه مرتاحون ومبسوطون – فهذا طبيعى - ، انما المهم أن معارضيه مشاركون وراضون بالنتائج وان كانت فى غير صالحهم ، وعلى ثقة وأمل فى التداول وأن هناك فرصة للحضور والتأثير فى المشهد التعددى . أما أن يُروج لرجل المرحلة وتُعدم التنافسية ولا يشارك الا المؤيدون ، ويُروج ان هناك انبساط ورقص ، بينما يعلم الجميع أن هناك أحزان وغضب ورفض صامت مكبوت ، فهذا نذير لمرحلة جديدة من عدم الاستقرار والتوتر ، ومبارك لم تصمد به تلك الألاعيب الراقصة ولا أكاذيب الطبالين حوله أمام غضب المقهورين الراغبين فى الكرامة . جميل أن يزعم أحدهم انه يستند لقاعدة شعبية دعته لأمر ما فلبى النداء ، لكن الخبر السيئ هو أن الكلام فى هذه المنطقة الخطرة ليس مجانياً ، فنحن هنا أمام معادلة قاسية وقاصمة ؛ فجماهير لازالت فى حاجة لتأكيد يقينى لحضورها وأرقامها وتيار مدنى كان حاضراً برمزية فى مشهد 3 يوليو ؛ واليوم تغيب الجماهير ويختفى المدنيون من التيار الليبرالى " البرادعى وجبهة الانقاذ " ، ويصعد المشير بمفرده ، بالرغم من انتفاء أخلاقية صعوده فى مثل تلك الأجواء الملبدة ، لتترسخ قناعات مسيئة بأن المشهد كان مرتباً لهذا الصعود ، وأنه لا جماهير ولا تيار مدنى ولا حتى تمرد فى ظل انقسامها على نفسها وخروج أصوات منها كصوت أحد مؤسسيها " محب دوس " يتساءل فى حسرة تشبه حسرة الجماهير المقاطعة : " كيف تحولنا من شئ صغير، مجرد خمسة أشخاص يسعون لتغيير مصر الى حركة أخرجت الملايين الى الشارع للتخلص من الاخوان المسلمين ؟ الاجابة هى أننا لم نفعل ذلك ، صرت أفهم الآن أننا لسنا نحن الذين قمنا بذلك وانما استخدمنا واجهة لما أكبر منا بكثير " . حمدين صباحى أكثر المتفاجئين بما حدث وكان يعول على الحضور الذى خذله واختار الأسلوب الأقسى فى عقاب من يرفضه ويعارضه ، والسيسى لم يكن ينافس حمدين انما ينافس رجلاً يُحاكمه القضاء وراء القضبان ، وكانت دعوتنا لنصرة حمدين استنفاراً للغالبية الصامتة منعاً للصدام واستدعاء الغضب الى الشارع ، بتوقيع عقاب حضارى قاس فى صناديق الانتخاب ، لا لحساب حمدين انما لصالح الثورة كخطوة ثورية سلمية كانت كفيلة باحراز نتائج ضخمة بالمقارنة بنتائج هزيلة فى مواجهات على الأرض مع آلة القمع والمنع . اختار الجميع العناد وتم توظيف الانتخابات الأخيرة لتصفية حسابات قديمة ، وعاقبت الجماهير المقاطعة ضمن من عاقبت التيار الليبرالى والناصرى وجبهة الانقاذ ممثلة فى حمدين بالرغم من تطورات الأحداث بعد فض رابعة وتفكك الجبهة وخلافات رموزها مع النظام القائم ، مع عدم واقعية خطة المقاطعة لكى تنجح ، فلن يسلم هذا الطرف لذاك بسهولة وغذاء السلطة القاهرة على صيد سهل فى الشارع تشن عليه غارات التشويه ، وقد طلبت الثورة المضادة لقاءاً للفصل بين مشروعيتين فى الصناديق فأبت الثورة الا البقاء فى الشوارع . يرقصون ويزعمون أن الصامتين انما غيبهم الحشيش ، بينما الغضب يغلى ويمور .