الحديث عن حزب النور لكونه حاضراً فى المشهد مهما كان حجم الخلاف والجدل حول مواقفه وخياراته ، ويمثل حالة قائمة تستوقف المراقب والدارس بعد أن صار – ليس فقط مثار جدل – انما مثار سخط تيارات عدة من اليمين الى الوسط الى اليسار ؛ فالجميع يجمع على رفضه ويشتركون فى صب اللعنات عليه ، ابتداءاً بالاخوان والاسلاميين التقليديين ، مروراً بالتيار العلمانى بمكوناته ، وانتهاءاً مؤخراً برموز الوطنى المنحل وحملة المشير السيسى الانتخابية التى فاجأها حزب النور بمنافستها فى الدعم والدعاية والحشد ، مما أسهم كثيراً فى انكشاف ضعفها وقلة خبرتها . مصر ليست بلاد الفرص ، وقلما يجد الاسلاميون على وجه الخصوص فيها فرصتهم ، والبحث عن هدف هذا الحزب المحير للجميع يصعب عندما نذهب معه فى مواقفه ومساراته المتناقضة والملتبسة ، لكن من السهل العثور عليه فى تتبع الفرصة التى يسعى لاقتناصها ليصعد فى أقصر وقت فى واقع شديد السخونة والخطورة كالواقع المصرى . النور شديد الوضوح فى هذه الحالة ؛ فهو يريد الوصول رأساً لمؤسسة الرئاسة ولا يرضى بأقل من المشاركة والحضور فى القصر الجمهورى ، أى أنه يسعى للتأثير فى المشهد ولتأمين مستقبله السياسى من أقصر الطرق بوجود قوى ومؤثر وبعلاقة وطيدة جداً بجانب رأس الدولة ، وقد حاول فى عهد الدكتور مرسى لكن فشل الاخوان فى التعامل مع هذا الطموح الزائد ، وبدأت المتاعب الحقيقية بعد طرد الحزب من القصر ، ومن يومها وهم يحاربون ويواجهون أفظع الاتهامات فى سبيل عودتهم من جديد برئيس يحبهم ويحبونه ويواليهم ويوالونه ويقربهم اليه ويفتح لهم باب قصره ولا يغلقه أبداً دونهم . ربما قام الحزب بأكثر مما طُلب منه منذ 3 يوليو الى اليوم ، ونشاطه فى الانتخابات الأخيرة ومحاولات اعلام رجال أعمال مبارك انكاره والتشويش عليه ، مع الصدام القوى الأخير بين حملة المشير التى تضم كثيراً من وجوه عهد مبارك من جهة وحزب النور من جهة ، كل هذا يفسر القلق الزائد من طموحات الحزب وسعيه الدؤوب لحجز مكان مميز بجانب المشير . يعلم المشير السيسى جيداً حجم اهتمام حزب النور به ورهانه عليه ، والرجل الذى يزعم أنه ليس محملاً بفواتير لأحد لا يستطيع بحال الاعتماد على حملة ثبت عملياً فشلها الذريع ، وعلى وجوه وأسماء محروقة اعلامياً ، وعلى رجال مبارك الذين تسببوا فى كارثة ضعف الاقبال على الانتخابات ، وعلى اعلاميين يطالب مراقبون وخبراء سياسيون المشير بالخلاص والتحرر من تبعات أدائهم المأساوى . اذاً هو أيضاً لن يستغنى عن خدمات هذا الحزب البراجماتى الذى يتلفع بالوشاح السلفى ، من هذه الجهة التى يفتقر فيها المشير الى المعين السياسى والاعلامى الجيد ، وأيضاً من زاوية أخرى لا تقل أهمية ؛ وهى استحالة تخليه أو تباطئه فى تكريم وتقدير خدمات جهات ومؤسسات وتيارات دعمته بقوة ، كالكنيسة وحركة تمرد .. على سبيل المثال ، ولن يكون منطقياً بالمرة تقدير كيان والعصف بالآخر أو نسيانه فى موسم الحصاد وتوزيع الامتيازات . تسعى حملة المشير وبعض المكونات السياسية والثقافية العلمانية للحيلولة دون النور وتلك الامتيازات المرتقبة ، ويسعون لافساد العلاقة الودودة للغاية بين المشير والحزب الطموح . بطبيعة الحال سيتحكم فى مستقبل الحزب السياسى وحجم تمثيله فى المشهد عوامل أخرى تتعلق بقانون الانتخابات وتقسيم الدوائر ونسبة الفردى الى القائمة ومستقبل الأحزاب الاسلامية .. الخ ، لكن تظل هذه أمور ثانوية بجانب الأمر الأكثر أهمية الذى يضعه عقل صانع القرار بهذا الحزب فى ذروة الأولويات ، وهى العلاقة بالرئيس والحضور والتمثيل بداخل القصر الجمهورى . يمتدح المشير السيسى كثيراً قيمة الصدق ، وسيدخل هذا الزعم اختباراً صعباً خلال السنوات القادمة مع حزب النور ، فى ظل هذه الحرب التى بدأت مبكراً ضده من داخل المعسكر الذى احتمى به وخدم فيه سعياً لتحقيق طموحاته ، ونيل الفرصة فى بلاد الفرص النادرة والضائعة .