إن عدم اعتراف ما يسمى العالم الحر بالفكر الإسلامي الحقيقي ، وعدم قبوله في اللعبة الديمقراطية العالمية هو ما أنتج الحالة الداعشية التي نراها اليوم ، هي حالة رد فعل طبيعية ، بدأت ولن تنتهي إلا باعتراف ذلك العالم بالمكون الإسلامي الحقيقي ، وعودته مع كامل حقوقه الديمقراطية ، كلاعب أساسي في لعبة صندوق الاقتراع وساعتها فقط ستبدأ الداعشية بالانحسار .
بات قطاع واسع من الشباب الإسلامي والعربي يدرك هذه الحقيقة ، وساعد في ذلك تساقط الرموز القومية واليسارية والليبرالية والسلفجية ، وتآمرها للأسف ووقوفها في صف أعداء الأمة بالمجان نكاية فقط في الإسلاميين أصحاب الرؤية الحضارية القائمة على الهوية الحقيقية للأمة وثقافة فك التبعية بكل أشكالها .
حدث ذلك منذ تسعينيات القرن الماضي عقب التجربة الجزائرية ، وتأكد مع الحالة المصرية ( الكاشفة ) التي أدت إلى تعرية الجميع بشكل سافر .
بدأت في العراق وسوريا باعتبار الظرف الموضوعي الناضج هناك ، ساهم في ذلك علاوة على ما سبق الاحتقان الطائفي البغيض ، ومسألة انتشارها مسألة وقت ، ولن يفيد القمع والطائرات بدون طيار وأموال النفط في القضاء عليها ، ربما يحد من تمددها مرحليا فقط ، ولكنه على المدى البعيد سيزيد الحالة سوءا
ليس من المقنع والمعقول والموضوعي في هذا العصر أن يبقى شخص مثل خالد نزار يحكم دولة مثل الجزائر بالوكالة من خلال عجوز مقعد ، وليس من المقنع أن يتم التلاعب بكل القواعد والأعراف الديمقراطية والقفز على المنطق وطبائع الأشياء وتزييف الواقع ليحكم مصر شخص مثل السيسي ، وليس من المقنع أن تهدر مليارات النفط وتتحول إلى ملاعب لكرة القدم وصفقات سلاح خردة ، وإلى سائل منوي في مواخير أوروبا ، وسباق الهجن ، وليس من المقنع أن تبقى أنظمة تدعي العروبة وهي في أصل تكوينها أنظمة وظيفية لا يراد بها إلا أن تكون جدارا حديديا لحماية دولة الكيان .
لم يعد كل ذلك مقنعا في عصر الثورة المعرفية ، وبات الإنسان العادي يعرف ويعي تماما كل تلك الحقائق ، ولم يعد إعلام التطبيل والتزمير كافيا لطمس الحقائق ، أدرك الغرب ذلك فحاول تسويق الخيار الديمقراطي ، علّه بذلك ينتج حالة جديدة قياسا على ما فعله باليابان مثلا عقب الحرب العالمية الثانية ، ولما أكتشف أن كل محاولاته منذ بدء الاستعمار وحتى نهاية وهم الاستقلال فشلت في أن تجعل طفلا صغيرا عربيا ينسى الأندلس وليس فلسطين ، وبدا واضحا أن صندوق الاقتراع هذا لن ينتج إلا خيار الأمة الحقيقي الموغل في أعماق كل شخص متعلما كان أم أميّا ، عاد لينتج لنا تلك المسوخ قادة المافيات والعصابات العسكرية وخلق حالة فوضى هدفها كيّ ذلك الوعي ونقل الناس من مرحلة الاسترقاق القسري لأنظمة القمع إلى العبودية الطوعية وقبول أمثال السيسي وحفتر تخوفا من الفوضى والمجهول المرعب .
ولكن يقينا لن ينجح ذلك ، وما داعش إلا مقدمة لحالة ثورة من القاع ، ثورة بلا رأس ، ثورة تحاول إعادة ترتيب أوراق اللعبة من جديد ،وكنس كل الإرث السابق وقواعد اللعبة المعمول بها حاليا ، وستشهد المرحلة مستقبلا عركا وضرسا شديدين في محاولة للخروج من زيف المرحلة الحالية ، ويقيني بأنه سيكون مخاضا عسيرا وطويلا ينتهى بتحقيق الاستقلال الحقيقي ، وغلبة العقل الجمعي للأمة الإسلامية