اغتيال ذاكرة
"عصام، إليك فيض ذاكرتي وحزني وألمي في زمن الصمت الرديء"
***
انه صباح الثلاثاء من حزيران اليوم العاشر فيه، صباح ليس كعادته كانت تفوح من فجره رائحة خوف ونواح وعويل لم اكن اعلم بان الأمر يعنيني حتى قدوم صديق لي إلى مكتبي ليرمي لي بخبر الفاجعة ، أستشهد عصام ، رحل عصام إبراهيم أتذكره ؟
هكذا بدا محدثي بالخبر، لا اعلم سوى ضحكة هستيرية طويلة ، يتبعها بكاء مجنون لم اشعر لحظتها بان هذا الكون الفسيح ربما يتسع لصدى صرخاتي التي تجمّع حولها كل من جاورني، رحل عصام إذن، بضع رصاصات اخترقت جسده، لا انه كل الرصاص الذي أوجدته الرغبة السوداء القاتلة في الاحتلال كلها في صدر عصام، رصاصات وشمت جسده وابتسامته كذلك، رصاصات لم تكتف بجسده فحسب بقدر ما اغتالت الذكريات وذاكرة طويلة من النضال المشترك، كفاح شابه الفرح والغضب،الزعيق والصمت الجدل الصاخب والهدوء المسكون بالسكون كليْل خوفنا من آلاتي ، كم هي رديئة الحياة دون صخب وحب وغضب؟! كل شيء سهل كل شيء صعب كليل شتاءك القارص يا (كفر راعي )* كصيفك الجميل كنسائم أشجار الدرّاق والكمثرى والمشمش، ما أروع تلك الأيام رغم قسوة المحتَلِ وطغيانه وجبروته ! .
عصام كم اختلفنا يوم انقسمنا سياسيا؟ كم اتفقنا يوم التقينا نضاليا ؟ رغم كل هذا لا اذكر غير أنني احبك لا اذكر غير أنني اشتاق إليك لجرأتك العنيفة.
لا اذكر أي شيء سوى أنني ما زلت احن إلى تلك الأيام.
سنوات خمس هي أو تزيد لم التقيك بها، خمسة أعوام مضت وتأتي إلى رام الله في بداية حزيران الذي احب، في حزيران الذي بكيت فيه ولم التقي بك به أيضا.
مشوارك طويلا وشاقا من جنين إلى هنا ولم التقيك، يا عصام، أيضا ،هو الاحتلال الذي يحول بيني وبين لقاؤك، كانت المنطقة التي اسكن بها تخضع في ذلك اليوم لحظر التجول، وتعود إلى كفر راعي مرة أخرى دون أن نلتقي دون أن نرى بعضنا البعض.
عصام،إن كنت تسمعني، هل جئت يومها لتودعني يا رفيقي؟،هل جئت تخبرني برحيلك لهذه الدنيا القميئة المتسخة؟.
اللعنة كل اللعنة على من لا يطلق كل غضبه على صدر الاحتلال الذي حرمني من عناقك وضمك.
عصام أيها الأشرف منا دائما، أيها المتقدم علينا دائما حتى في دمك، وفي صدرك كم اشتاق إليك؟ كم أتوق لصوتك العنيد، ولغنائك الصيفي في جبالنا تلك، في ليالينا تلك .
عصام أيها الراقد هناك،وأسألك لماذا لم تعناقني في ذلك اليوم؟ تجاوبني ، لقد ضنوا علينا الوداع يا رفيق ضنوا علينا العناق الأخير والشهقة الأخيرة والابتسامة الأخيرة .
آه يا عصام آه يا عزيزي الذي احب، لماذا لم نتعلم بعد أن نعشق الذاكرة بصمت وسرّية حتى لا يقدروا على اغتيالها؟ .
رصاصات مزقت جسدك ووشم احمر يجدد نيسان في حزيران، هو الدم الزكي الذي اعتدنا عليه، وكل الذاكرة تسجّى على مقربة من جثمانك الطاهر تأن وتردد نشيدنا الأخير .
احبك يا رفيقي.... احبك
اشتاق إليك... اشتاق مشاكستك... اشتاق كل شيء جميل هو أنت .
تحية لك من رام الله يا من يرقد جسدك الطاهر كفرراعي .
رام الله ، العاشر من حزيران 2003
*كفرراعي : قرية جنوب غرب مدينة جنين،مسقط راس الشهيد عصام ابراهيم الذي تم اغتياله فجر اليوم الثلاثاء.