(قصة رأيتها بعيني)
كانت حمامة تحب أن تأتي إلى نافذتي, تبقى بضع دقائق ثم ترحل, استمر الوضع بضعة أيام, ثم بدأت تحضر أغصان إلى نافذتي, كنتُ أريد رميها, ولكني تراجعت فمن العيب أن أطرد حمامة اختارت جواري, بدأت جارتي ببناء بيتها الصغير حتى أنهته, بعد أن أهملتها فترة, وجدتها قد باضت بيضتين براقتين, مرت الأيام وأنا أراقبها حتى خرج من البيضتين فرخان جميلان .
من أروع المناظر في حياتي, عندما تطعم جارتي فرخيها, يفتح الصغيران منقاريهما, يتمنى كل منهما أن ينال طعامه أولاً, و تحني أمهما رأسها وتدخل منقارها في منقار الأول بكل عطف وشغفة, فلا يغضب الآخر, بل ينتظر دوره بكل هدوء .
مرة من المرات, رأيت الحمامة مبتعدة عن عشها, و الفرخان يحاولان الوصول إليها, يسيران ببطء, يتعثران ثم ينهضان, بكل إصرار وعزيمة, كنت أرى عيون أمهما وهي تنظر إليها يملأها حب صغيريها.
اليوم نظرت إلى نافذتي لأسلم على جارتي, فوجدت فرخ واحد فقط, فُزعت أين الآخر ؟ وأين أمه ؟ نظرت يمينا وشمالا ولم أجد شيء, بقيتُ دقائق كأن تحتي جمر, لم أدري ماذا أفعل ؟ فكرتُ في أن أمه قد أخذته معها, ولكن كيف تترك ابنها الثاني, أخيراً هُديت أنه من الممكن أن يكون سقط إلى الأسفل, ركضتُ بكل قوتي, وصلتُ إلى الأرض التي تحت النافذة وأنا ألهث, لأرى صديقي الصغير ملقى على الأرض, وليت الأمر انتهى إلى هذا الحد, لقد وجدت سرباً من النمل يخرج من عينه, ولحم صدره قد أكلته القطط, وريشه الصغير منثور في كل مكان, و أجنحته مرتفع . بعد صدمة دامت دقيقة كاملة, وفي هذه اللحظة أحسستُ بالحرارة في ثلاث مناطق من جسمي, حرارة في يدي لأني حملت صغيري الذي بقي تحت الشمس طوال النهار, وحرارة في قلبي على صغيري الذي ارتفعت روحه إلى السماء, وحرارة في عيني من كثرة الدموع . اتجهتُ أمام منزلي وبدأتُ أحفر في التراب, وضعتُ صغيري بهدوء, ثم أخذتُ أحث التراب عليه, بعد دفنه صعدت إلى منزلي, واتجهتُ إلى النافذة, أواسي أخيه الصغير, منذ أن وقعت عيني على النافذة, سالت الدموع مني سيلانا, وبدأتُ أشهق بصوت عالي, ثم سقطتُ على ركبتي, وهل يمكنني الوقوف بعد ما رأيت ؟ لقد رأيت جارتي عادت إلى عشها وأخذت تدور حول نفسها, تتجه يميناً وشمالاً, تبحث عن فلذة كبدها, ليس هذا فحسب, بل والله أحضرت معها حمامة أخرى تبحث معها عن الصغير, وفرخها الآخر واقف لا يعلم ماذا يفعل, مشهد في غاية الحزن والكآبة, ماذا أفعل ؟ هل أذهب وأخرج صغيرها من التراب وأضعه عندها حتى تعلم أنه ذهب إلى ربه وأن لا جدوى من البحث عنه ؟ أم أتركها تبحث وتبحث حتى تمل وتتوقف ؟ في النهاية قررتُ أن أتركها, فبحثها عشر سنوات عندي أهون من أن ترى حبيبها بتلك الحالة .
بقلم
هديل الحربي