السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
الإخوة الكرام
يسعدني جدا الإنضمام لمدرستكم الواعده
أتمنى أن أكون في الاتجاه الصحيح لتكوين الصفحة الخاصة بي
صرخة ألم.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» * الورطة * ق ق ج» بقلم أحمد فؤاد صوفي » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» لن أفقد الأمل.» بقلم أسيل أحمد » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» شجرة الود,» بقلم أسيل أحمد » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» هنا نكتب (ق.س.ك)» بقلم عبده فايز الزبيدي » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» أحبك لأن في عينيك وطني» بقلم أحمد مصطفى الأطرش » آخر مشاركة: أحمد مصطفى الأطرش »»»»» نور الحبيب ...صلى الله عليه وسلم..» بقلم محمد محمد أبو كشك » آخر مشاركة: أحمد مصطفى الأطرش »»»»» نظرات في بحث لباس المرأة أمام النساء» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» أنا في هواك» بقلم عبدالله بن عبدالرحمن » آخر مشاركة: أحمد مصطفى الأطرش »»»»» في عيد ميلاد كريمتي فلسطين أم آدم / د. لطفي الياسيني» بقلم لطفي الياسيني » آخر مشاركة: أحمد مصطفى الأطرش »»»»»
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
الإخوة الكرام
يسعدني جدا الإنضمام لمدرستكم الواعده
أتمنى أن أكون في الاتجاه الصحيح لتكوين الصفحة الخاصة بي
الرحيل
رفع عينيه يرقب قرص الشمس المائل جهة المغيب يملأ عينيه من المشهد الأخير لحياته في هذا الوادي المقفر من كل ما هو حي عدا بعض رموز الطبيعة القاحلة و أشجار العرعر الشاحبة تتناثر في اجزاء الوادي الذي تلفه الجبال من جهاته الثلاث على شكل مضيق طويل تبقى جهته الشمالية محط الأنظار تراقب الداخل و الخارج للوادي او "جدر" كما يسميه سكانه و من يقطنون حوله كناية عن الجدار الهائل الذي يسد مسار السيل العابر في الوادي.
مكث في صمته طويلا يراقب ابنته الكبرى "عليا" و ابنائها الثلاث و هم منهمكون في جمع حاجياته و ملابسه من داخل خيمته المهترئة , لحظ في عيني ابنته نظرات السعادة مختلطة بالدهشة و كأنها في حلم , لقد فاجأها قراره بترك الوادي و العودة معها للمدينة. لم تصدق سمعها في باديء الأمر وهي التي فقدت كل امل في إقناعه في الانتقال معها إلى المدينة منذ سنوات عديدة مضت وبعد رحيل والدتها ومكث والدها وحيدا مع قطيع أغنامه في الوادي.
ما زال يذكر كيف قدم إلى هنا منذ اكثر من ستين عاما , كان الوادي وقتها ممتلأ بالحياة , سكانه نصبو خيامهم في اماكن متفرقة منه , الشجر الأخضر يملأ نواحيه , وجباله مكسوة باللون الاخضر ويانابيع الماء تتفجر من احشائها تتسرب عبر القنوات التي شقها السكان لتصل لحقول القمح الصغيرة المتراصة في اسفل الوادي بجانب رياض النخيل الباسقة ,
لبث برهة يحاول ان يتذكر مكان الديوان الرئيسي الذي كانت تعقد فيه الجمعات اثناء المناسبات و الأعياد وسمرات الليل كان يتوسط منازلهم , مشى الى مكانه الخاوي ووقف محاولا استرجاع تفاصيل الديوان , كان كبيرا جدا صيوانين متعاكسين احدهما خاص بالرجال والاخر خاص بالنساء تفصلهما باحة واسعة كانت مرتعا لاطفال الوادي و قت المناسبات.
كانو يبدؤون اليوم قبل شروق الشمس بإجتماعهم لصلاة الفجر في الديوان ثم يتفرقون لأعمالهم على انغام زقزقة الطيور و أزيز اسراب النحل التي التي تنطلق من الخلايا التي زرعها السكان في روؤس الجبال , يعمل الرجال في الحقول و تفقد خلايا العسل و ترعى النساء الأغنام و كان الأطفال يمرحون بين هنا و هناك و عند الغروب يعود الجميع لبطن الوادي متطلعين للراحة بعد عناء يوم حافل للبعض اعتيادي للبعض الاخر و يبدؤون بعده سكون الليل إلا من بعض السمرات هنا و هناك .
بدأ حياته في مرتحلا مع اسرته من مكان إلى اخر يتتبعون الكلأ و الماء لمواشيهم فلم تستهويه حياة التقل و اثر الإستقرار بعد زواجه فأشار له والده بان يتزوج من إحدى الأسر التي تسكن الوادي و يستقر هناك و كان ذلك.
مع الأيام بدأ سحر الوادي يتسرب إلى قلبه و يزداد تعلقه به و لا يطيق البعد عنه كثيرا حتى في إحدى المرات إضطر للسفر إلى المدينة على بعد اسبوع بالجمال فشعر بالضيق منذ فارق الوادي وبدى مقبوض القلب متعكر المزاج فرجع من منتصف الطريق إلى الوادي و منذ ذلك الحين لم يعرف عنه انه سافر خارجه مرة اخرى.
إندمج في مجتمع الوادي بقضل سخاء نفسه و هدوء طباعه و حكمته التي تكونت من تقلب احواله في سنوات الترحال فكان يلجأ له جيرانه في كل خطب او إستشارة و كان يقضي فيما يقع بينهم من خصومات و خلافات ويثقون به ثقة مطلقة حتى اصبح كلرأس فيهم بالنسبة للجسد.
الحياة في الوادي هادئة ربما بفضل العزلة التي فرضتها الطبيعة , كان له اصدقاءه الخواص يجتمع بهم ليلا في مجلس بيته.
كبر ابنائه حوله , اشار عليه البعض ان يلحقهم في إحدى المدارس خارج اطراف الوادي لم يكن ينوي ان يفعل في بداية الامر فقد اختار لهم كل شيء في الوادي نصيبهم من حقول القمح و خلايا العسل حتى اصهاره في المستقبل اختارهم من بين جيرانه و لكنه رضخ للامر الواقع في ما بعد.
لم تعجبه التغيرات التي طرأت فيما بعد على سكان الوادي خاصة بعد وصول طريق الأسفلت إلى مكان غير بعيد عن مشارف الوادي فأصبحو يتسقبلون الكثير من الزوار بعد ان كانو في عزلة تامة صنعتها الطبيعة و تطور الأمر فأقتنوا السيارات التي اختصرت لهم الطريق الى المدينة خلال ساعتين بدلا من اسبوع كامل وأصبح الذهاب إلى المدينة و جلب الضروريات نهاية الأسبوع حاجة لابد منها فكان اثناء سيره ينظر بحسرة إلى علب الصفيح التي تكاثرت في ارجاء الوادي فجأة . حتى سمرات الليل كادت ان تتلاشى إلا من بضع افراد بعد ان ادخل السكان اجهزة الراديو إلى بيتوهم حتى غيرة مواضيع حديثهم العامة فأخذو يتداولون اخبار الحروب و السياسة و بعض البرامج الفكاهية في الإذاعة الوطنية.
تغير حاله معهم فأصبح صامتا جل وقته بعد ان كان سلطان مجلسهم و راوي القصص و الحكايات التي يذعنون بشوق لسماعها و أخذ يراقب تغير احوالهم عن كثب و هو في قلق من المستقبل.
في أحد الأيام أخبره أحد الجيران بعزمه على الإنتقال إلى المدينة رغبة في إلحاق ابنائه بوظائف هناك, حاول جاهدا ان يثنيه عن عزمه ليس تمسكا به بقدر ما هو سدا لهذا الباب حتى لايغري سكان الوادي بالانتقال إلى حياة المدينة فلم يفلح في ذلك وحدث ما كان يخشاه فاستهوت حياة المدينة معظم سكان الوادي فشدو اليها رحالهم و تركوا الوادي في وحشة بعد ان كان انساً بسكانه.
صارحه ابنه الأصغر بنيته فس السفر إلى إحدى مدن الشمال ليلتحق في إحدى الوظائف العسكرية و حاول عن ثنيه ايضا باللين و الشدة فما استطاع, بقي ابنه الأكبر معه و تزوج من إحدى الأسر في الوادي و بنى بيته في المكان الذي حدده له فأستبشر خيرا بهذا الطالع. تباعدت فترات هطول الأمطار و تغير ت مواعيدها فارتجف قلبه حتى نواميس الكون تغيضه " انقطعت الأمطار طوال فصل الصيف فأجدبت الأرض و جفت الأبار فأصبحو يستعينون بالسيارات لجلب الماء من الأبار البعيده . صلى بهم صلاة الإستسقاء املا في نزول المطر و استقرار السكان بالوادي , هطلت زخات خفيفة كأنما تسترضيه السماء , استبشر خيرا صعد إلى احد الجبال العالية كأنما يستحثها بالمزيد و في الافق لاح له شبح المدينة و قد اضحى غير بعيد, شعر بانقباض صدره و ناحت منه زفرة يأس لقد فات الاوان.
تزايد عدد السكان المهاجرين واحد تلو الاخر ولكنه لم يعد يكترث بقي هو و ابنه الاكبر بعائلتيهما و جار اخير . فقد الوادي هدوئه المعتاد و اصبحت تغزوه مركبات الغرباء من و قت إلى اخر بحثا عن الحطب من بقايا الأشجار التي تلاشت ارواحها مع ندرة الامطار , علت اصوات المناشير الآلية في الوادي , ساءه الامر جدا فلم يرضى ان يمثل بأشجار الوادي بمثل هذه الطريقة فتقدم منافحا عن ما يحسبه جزء منه صرخ فيهم و هددهم مضو في طريقهم ثم عادو بعد فترة قصيرة استسلم للامر الوقع من جديد و تركهم في عبثهم.
في احد الايام فارقت زوجته الحياة , دفنها بالقرب من قبر ابيها , حضر من تبقى على قيد الحياة من سكان الوادي السابقين لعزاءه , نظر في اعينهم بعتاب واسوه و طيبوا خاطره و شكو اليه حياة المدينة و ما فيها من ملل و ضيق الوقت.......
السلام عليكم
امل من المشرف التعليق على المقطع السابق لحين الإنتهاء من المقطع التالي للقصة بإذن الله
لدي بعض المشاكل التقنية في جهاز الكومبيوتر منعتني من إكمال بقية القصة
وجزاكم الله خيرا
أهلا بك أخي الكريم أحمد بين إخوتك ؛
و سأعود إليك قريبا , فاليوم اشتغل النت عندي و الضغط علي كبير ,
و آمل أن يعود أخي الأستاذ لحسن عسيلة قريبا إلى المدرسة مع وافر الصحة و العافية .
لكن لا تيأس .. تحياتي لك .
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله .... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
التعديل الأخير تم بواسطة أحمد رامي ; 15-09-2014 الساعة 10:09 PM
جزاك الله خيرا يا استاذ أحمد على كل الجهود المبذولة وجعلها في موازين حسناتكم
شكرا على مروركم اللطيف
أستاذي الحبيب أحمد رامي
جزاك الله عني كل خير و رفع قدرك و بارك جهدك
رفع عينيه يرقب قرص الشمس في احتضار المغيب , يملأ عينيه من المشهد الأخير لحياته في هذا الوادي المقفر من كل ما هو حي عدا بعض رموز الطبيعة القاحلة و أشجار العرعر الشاحبة تتناثر في ارجائه الفسيحة التي تحدها الجبال من جهات ثلاث على شكل مضيق طويل تبقى جهته الشمالية محط أنظار سكانه ترقب الداخل إلى الوادي و الخارج منه أو "جَدْرْ" كما يسميه سكانه و من يقطنون حوله كناية عن الجدار الهائل الذي يسد مسار السيل العابر في الوادي.
مكث في صمته طويلا يراقب ابنته و أبناءَها الثلاثة و هم منهمكون في جمع حاجياته و ملابسه من داخل خيمته المهترئة , لحظ في عيني ابنته نظرات السعادة مختلطة بالدهشة و كأنها في حلم , لقد فاجأها قراره بترك الوادي و العودة معها إلى المدينة . لم تصدق سمعها باديء الأمر وهي التي فقدت كل أمل في إقناعه في الانتقال معها إلى المدينة منذ سنوات عديدة مضت وبعد رحيل والدتها ومكث والدها وحيدا مع قطيع أغنامه في الوادي.
ما زال يذكر كيف قدم إلى هنا منذ أكثر من ستين عاما , كان الوادي وقتها ممتلئـًا بالحياة قد نصب سكانه خيامهم في أماكنَ متفرقة منه , الشجر الأخضر يملأ نواحيه , وجباله مكسوة باللون الأخضر و ينابيع الماء تتفجر من أحشائها تنتقل عبر القنوات التي شقها السكان لتصل إلى لحقول القمح الصغيرة المتراصة في أسفل الوادي بجانب رياض النخيل الباسقة.
لبث برهة يحاول أن يتذكر مكان الديوان الرئيسي الذي كانت تعقد فيه اللقاءات اليومية بعد كل صلاة مغرب و أثناء المناسبات و الأعياد , مشى إلى مكانه الخاوي يتوسط منازلهم ووقف محاولا استرجاع تفاصيل الديوان , كان كبيرا جدا صيوانين متعاكسين أحدهما خاص بالرجال و الأخر خاص بالنساء تفصلهما باحة واسعة كانت مرتعا لأطفال الوادي وقت المناسبات.
كانوا يبدؤون اليوم قبل شروق الشمس بإجتماعهم لصلاة الفجر في الديوان ثم يتفرقون إلى أعمالهم على انغام زقزقة الطيور و طنين اسراب النحل التي تنطلق من خلاياها المنصوبة في رؤس الجبال , يعمل الرجال في الحقول و رعاية خلايا النحل و ترعى النساء الأغنام و كان الأطفال يمرحون بين هنا و هناك و عند الغروب يعود الجميع إلى بطن الوادي يبغون الراحة بعد عناء يوم حافل يلجون بعده في سكون الليل العميق.
قبل قدومه للوادي بدأ حياته مرتحلا مع اسرته من مكان إلى اخر يتتبعون الكلأ و الماء لمواشيهم فلم تستهوهِ حياة التنقّل و اثر الإستقرار بعد زواجه فأشار له والده بان يتزوج من إحدى الأسر التي تسكن الوادي و يستقر هناك و لقد كان ذلك.
مع الأيام بدأ سحر الوادي يتسرب إلى قلبه و يزداد تعلقه به و لا يطيق البعد عنه كثيرا , حتى أنه في إحدى المرات إضطر للسفر إلى المدينة على بعد اسبوع بالجمال فشعر بالضيق منذ مذ تعطي إحساسا بالسرعة أكثر فارق الوادي وبدى و بدا مقبوض القلب متعكر المزاج فرجع من منتصف الطريق إلى الوادي و منذ ذلك الحين لم يعرف عنه انه سافر خارجه مرة اخرى.
إندمج في مجتمع الوادي بفضل سخاء نفسه و هدوء طباعه و حكمته التي تكونت من تقلب احواله في سنوات الترحال فكان يلجأ له إليه جيرانه في كل خطب او إستشارة و كان يقضي فيما يقع بينهم من خصومات و خلافات ويثقون به ثقة مطلقة حتى اصبح كالرأس فيهم بالنسبة للجسد.
إستمر هدوء حياته في الوادي فترة طويلة من الزمن , ربما بفضل العزلة التي فرضتها الطبيعة , كبر فيها أبناؤه حوله , والدان وبنت يعينونه في رعي قطيع الأغنام و رعاية الحقل ,اشار عليه البعض بعضهم ان يلحقهم في إحدى بإحدى المدارس خارج أاطراف الوادي كما يفعل الجمي املاً في أن يفتح التعليم لهم افاقاً اوسع و حياة افضل خارج الودي و هذا الذي لم يكن ليطيقه أبداً فقد اختار لأبنائه حياتهم معه في الوادي بكل تفاصيلها و حدد لهم نصيبهم من حقول القمح و خلايا العسل حتى أصهاره في المستقبل اختارهم من بين جيرانه. لم يسلِ باديء الأمر و رفض ارسال إبنه الأكبر إلى المدرسة و لكنه رضخ بعد ذلك لإلحاح زوجته و جيرانه.
لم تعجبه التغيرات التي طرأت فيما بعد على سكان الوادي خاصة بعد وصول طريق الأسفلت إلى مكان غير بعيد عن مشارف الوادي فأوفد إليهم غرباء إقتحموا عزلتهم و هددوا سكون حياتهم.
تطور الأمر بعد ذلك فاقتنوا السيارات التي إختصرت لهم طريق المدينة إلى ساعتين بدلاً من اسبوع كامل وأصبح الذهاب إلى المدينة و جلب الضروريات نهاية الأسبوع حاجة لابد منها لكل بيت من بيوتات الوادي فلاحظ بأسى علب الصفيح و الكرتون وهي تتكاثر كالذباب في ارجاء الوادي . حتى مسامرات الليل كادت أن تتلاشى إلا من بضع أفراد بعد أن أدخل السكان المذياع إلى خيامهم فتبدلت مواضيع أحاديثهم العامة فأخذوا يتداولون أخبار الحروب و السياسة و بعض البرامج الفكاهية في الإذاعة الوطنية.
تغير حاله معهم فأصبح صامتا جل وقته بعد أن كان سلطان مجلسهم و راوي القصص و الحكايات التي يذعنون بشوق لسماعها و أخذ يراقب تغير أحوالهم عن كثب و هو في قلق من المستقبل.
في أحد الأيام أخبره أحد الجيران بعزمه على الإنتقال إلى المدينة رغبة في إلحاق أبنائه بوظائف هناك, حاول جاهدا ان يثنيه عن عزمه ليس تمسكا به بقدر ما هو سدا لهذا الباب حتى لا يألفه سكان الوادي و يهجروا واديهم إلى حياة المدينة فلم يفلح في ذلك وحدث ما كان يخشاه فاستهوت حياة المدينة معظم سكان الوادي فشدوا اليها رحالهم و تركوا الوادي في وحشة بعد ان كان أنساً بسكانه.
صارحه ابنه الأصغر بنيته في السفر إلى إحدى مدن الشمال ليلتحق بإحدى الوظائف العسكرية , حاول ثنيه باللين تارة و بالشدة تارة أخرى فلم يستجب له, بقي ابنه الأكبر معه و تزوج من إحدى الأسر في الوادي و بنى بيته في المكان الذي حدده له فأستبشر خيرا بهذا الطالع. تباعدت فترات هطول الأمطار و تغيرت مواعيدها فارتجف قلبه وشعر أن حتى نواميس الكون تحاول أن تغيضه. إنقطعت الأمطار أغلب فصل الشتاء فأجدبت الأرض و جفت الأبارفأستنجد السكان بسياراتهم لجلب الماء من الآبار البعيده و هجر النحل الجبلي خلاياه المغروسة منذ عقود في قمم الجبال. صلى بهم صلاة الإستسقاء أملًا في نزول المطر و رغبةً في إستمرار الحياة في الوادي , هطلت زخات خفيفة كأنما تسترضيه السماء , استبشر خيرا صعد إلى أحد الجبال العالية ينظر إلى السماء كأنما يستحثها بالمزيد و في الافق لاح له شبح المدينة و قد اضحى غير بعيد, شعر بانقباض صدره و صعدت منه زفرة يأس , لقد فات الاوان.
تزايد عدد السكان المهاجرين واحد تلو الاخر ولكنه لم يعد يكترث بقي هو و ابنه الأكبر بعائلتيهما . تزوجت ابنته الوحيدة و إنتقلت مع زوجها إلى المدينة , كتم حزنه في قلبه و لم يعترض خشيةً في أن يعيق نصيبها خاصة و أنه لم يعد هناك شبان في الوادي و حياتهم أضحت في عزلة عن بقية البشر.
تقدم به السن و صار يجد مشقة في صعود الجبال فأكتفى بممارسة حياته في سهل الوادي فلم يعد هناك ما يجبره على صعود الجبال بعد هجرة أسراب النحل و محول المراعي فصار يجلب علف قطيعه من المدينة و جميع حاجياته من المدينة.
فقد الوادي هدوءه المعتاد و اصبحت تغزوه مركبات الغرباء من و قت إلى اخر بحثا عن الحطب من بقايا الأشجار التي تلاشت ارواحها مع ندرة الامطار , علت اصوات المناشير الآلية في الوادي , ساءه الامر جدا فلم يرض .. أن يُمثل بأشجار الوادي بمثل هذه الطريقة فتقدم منافحا عن ما يحسبه حزءًأ منه, صرخ فيهم و هددهم مضوا في طريقهم ثم عادوا بعد فترة قصيرة, استسلم للأمر الواقع من جديد و تركهم في عبثهم و أصبح الصمت رده الوحيد على كل ما يستجد بالوادي.
في احد الايام فارقت زوجته الحياة ,حزن على فقدها وزادت الوحشة في قلبه بفراقها , دفنها بالقرب من قبر ابيها , حضر من تبقى على قيد الحياة من سكان الوادي السابقين لتعزيته , نظر في اعينهم بعتاب واسوه و طيبوا خاطره و شكوا إليه حياة المدينة و ما فيها من ملل و ضيق وقت يمنعهم من الإستمتاع بحياتهم فيهاحتى تحدثهم أنفسهم بالعودة للوادي, تجاهلهم بصمته و لم يكترث لهم فلقد أيقن في نفسه أن الحياة في الوادي تحتضر و أنه أخر زفرة في روحها .
فاتحه إبنه الأكبر بموضوع الرحيل إلى المدينة و أنه أصبح ضرورة حتمية طلباً لما هو متاح فيها من خدمات و طلب رزق بيسر و سهولة و لتعليم ابنائه بعد أن أُغلقت المدارس القريبة من الوادي لقلة أعداد الطلاب, لم يعطه جواباً إلا في اليوم التالي بعبارة يتيمة قال: إرحل بأهلك و أبنائك إلى المدينة إني باقٍ هنا. رحل إبنه بعائلته و هو يحمل همه و حزنه على والده بعد أن تركه فريسة سهله لوحدة بالغة المرارة تنهش روحه قبل جسده في وادي موحش تكسوه حياة شاحبة.
مضت أيام وحدته رتيبة يصارعها بصمته تارة و بإنشغاله بقطيع أغنامه تارة أخرى , إزداد تدينه بعد تردده على القنوات الدينية التي تبثها الإذاعة الوطنية و يلتقطها مذياعه المثبت على خاصرته كجزء من جسده يحمله معه أينما حل في الوادي, أصبحت الصلاة و الصيام سمته الغالبة يجد فيهما سكينة روحه ومتنفسا من وحدته , يتردد عليه إبنه الأكبر و إبنته بين فينة و أخرى ليتفقدوه و يلبوا له إحتياجاته مما تزخر به أسواق المدينة من مطعم و ملبس و إحتياج قطيعه من علف و ماء أما إبنه الأصغر فيزوره في الأعياد و ينقطع عنه بقية أيام السنة , بعض أقاربه و أصدقائه يفاجأونه بزيارات متقطعة , لم يألو الجميع جهداً في إقناعه بالإنتقال للمدينة لكنه يلجأ لصمته كردٍ نهائي لهذا الأمر.
مع مرور السنين إستمرأ وحدته و إستطابة لها نفسه , عكف على بناء خلايا جديدة في رؤوس الجبال أملاً برجوع النحل و أعاد زراعة حقله بعد أن إتفق مع أحد سائقي الصهاريج ان يجلب له الماء كل أسبوع نشر قطيعه على سفوح الجبال ويحادث أغنامه بأسمائها و يحثها على إيجاد الكلأ , يشدو بما يحفظه من أغانٍ و أشعار قديمه بأعلى صوته يرتعش عوده الهزيل طرباً لصداها , عبثاً يحاول أن يبعث الحياة في الوادي من جديد .
حدثته نفسه في أحد الأيام أن يقيم وليمة كبيرة يدعو لها أصدقائه من سكان الوادي ممن بقي منهم على قيد الحياة و أقربائه جميعاً فكم يهفه الشوق لأن يرى الوادي و هو يعج بالناس من جديد, إستحسن الفكرة فأستدعى أبنائه و أحفاده ليهبوا لمساعدته أعاد بناء الصيوان القديم لإستقبال الزوار و أعاد تأثيثه بما يشبه الصيوان القديم , وضع موقد النار في المنتصف كالعادة و رصّ فوقه دلال القهوة ,عزل بعض الشياه السمان من قطيعه و أجزل لها العناية كي يولم بها في ليلته الموعودة , كان يعمل بشغف عميق تلبَّس روحه و أنعش جسده و سبح بعقله في خيالات ليلته تلك و ما سيكون فيها من صور و أحداث و قصص و حكايات وحنين تواق لماضي الازمان و لحاضر المكان .
سارت به خيالاته بضعة أيام حتى حلَّ اليوم المنتظر , نهض فيه باكراً و لبس جديد الثياب , صعد إلى منتصف الجبل المقابل لمدخل الوادي , جلس على صخرة بارزة و أركز أسفل ذقنه على عصاته , رمى ببصره إلى مدخل الوادي مترقباً قدوم ضيوفه بوله و شوق, مضت ثلاث ساعات قبل أن يصل لسمعه أصوات لمركبات و هي تشق الطريق الصحراوي عرف بها وصول أبنائه , نزل لإستقبالهم و أسارير الفرح تملأ و جهه الأسمر الدقيق , تناول إفطاره معهم بشهية مفتوحة رسمت البسمة على وجه إبنته فهي منذ سنين طويلة لم ترى أباها على هذا النحو . بعد ذلك إنشغل الجميع بإعداد الوليمة و ترتيب الصيوان و ملأ دلال القهوة , رجع إلى مكانه على الصخرة في منتصف الجبل بعد أن إطمأن على سير كافة الترتيبات كما يريد و عاد يرمي ببصره جهة مدخل الوادي فما بقي إلا أن يصل ضيوفه ليتم مراده.
نظر الإبن الأكبر ناحية والده بحزن فلقد إنقضت الساعات المرتقبه و لم يعبر أحد مدخل الوادي منذ الصباح غيرهم , حل المساء و أُطفأت نار الوليمة و جلس الأبناء و الأحفاد بتململ و سخط من تأخر الضيوف و لم يبرح والده مكانه فوق الصخرة مصوبا بصره جهة مدخل الوادي حتى تلاشت لديه كل قطرة من امل و كل خاطرة من عذر يعذر بها ضيوفه , نهض من مقامه و توجه ناحية خيمته و صلى العصر مع أبنائه ثم جلس فوق سريره و طلب منهم الرحيل قبل أن تغرب الشمس و يحل الظلام , حاولوا مواساته و تهوين الأمر عليه لكنه لجأ إلى صومعة صمته فتركوه على حاله و مضوا قافلين إلى المدينة.
إستيقظ قبل الفجر و الوادي يعج بالسكون نهض من فوق سريره و إتجه صوب إبريق الماء ليتوضأ فرأى شفقاً أصفر يتلألأ فوق الجبال , إمتعض وجهه و هو يستذكر أحداث يومه , أمسك بعصاه و إستجمع قواه و صعد الجبل كأنما يريد يستكشف ما هية هذا الضوء , و صل القمة بعد جهد , و أقصى ببصره ناحية الشمال فسرت رعشة سريعة في جسده أسقطت عصاه من يده , إنه يرى المدينة من بعيد و هي تضرب جبال الوادي بوهج أضوائها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب و تطوقها بطرقها سوداء تتلوى كأذرعة الأخطبوط تداهن الزمن لتبتلع الوادي كما إبتلعت أهله من قبل و كل ما كان جميلاً فيه و تدفنهم في جوفها المظلم ليتخبطوا في متاهات أغوارها السحيقة ويسقطوا في شِراك جمودها فتندثر هناك كل رموز الحياة و فطرتها الجميلة.
- تمت بحمد الله -