أهلا بالزّائر العزيز
أيّها الزّائر الذي يطول غيابه عنّا؛ وكأنّا بك المتيّم بقول الشّاعر :"زر غبّا تزد حبّا"...
إنّي أرى بعينك عيون الصّغار النّازفة مآقيها؛ بسبب سكّين جشع وبطش الكبار، الذي قطّع حبال وصل سعادتهم، والقى بهم في أحضان القسوة ...
أرى تلك العيون آملة أن تحلّ في ديار أصحابها ضيفا؛ كي يسعدوا، ويغترفوا من خلايا جِلابك ما يحلّون به أفواههم، التي تتذوّق مكرهة حنظل الأيّام العصيبة ...!
وها أنت لدى نزولك في تلك الدّيار لا تبخل عليهم، وتأتي بلحظاتك الهانئة، وبجعبتك السّاكبة للخير الذي يشتهون ... ولحلولك ضيفا كريما عليهم، يهلّلون ويمدحون... وهم لمرسلك شاكرون ... وديمومتك بينهم يأملون؛ رغم عدم تمكّنك من المكوث طويلا حيث يقيمون .
أرى بعينك عيون الأطفال الأخر، الذين أنعم عليهم بارئهم بالعيش الرّغيد ، وسطر الفرح حروفه في دروبهم، يلتقطونها أنّى يسيرون ، وكيف يتّجهون .
ورغم فرحهم الذي هم عليه معتادون ، يقفون، وبلهفة الولهان، قدومك ينتظرون ، وبك يرحّبون ... ففرحك يختلف عمّا اعتادوه من فرح متجسّد بالنقود، ورهف العيش ... إنّه فرح حسيّ ترحّب به الرّوح قبل الجسد .
فنعم الزّائر أنت ! وبك التّرحيب أنّى حللت ! ونعم الإقامة إقامتك! في ملاعب، وقصور، وبيوت، وخيام، وأسرّة الصّغار، دون تمييز بين طبقاتهم، التي تخترقها بنفس الرّوح؛ متحدّيا وباسطا بساط الفرح تحت أقدام الجميع دون مَنّ أو أذى؛ رغم كثرة الأيدي التي تسحب أبسطة السّعادة من تحت أقدام كثيرة؛ لتفرش مكانها ألواح الصّبّار بأشواكها الأليمة ...
أرى بعينك عبادات المصلّين، التي تصدح بها المآذن والحناجر، وتبهجُ النّاسَ كلماتُ من يعتلون المنابر، المزيّنة بأنوار الرّحمة، تلك الكلمات ذات الرّائحة التي تفوح ناشرة أريج الأخوّة والتّرابط والبشاشة؛ ليغلّف الوجوه داعيا إيّاها إلى اللّحاق بالرَّكب المهلّل، فتغدو مهرولة لاحتضانك ،وشاكرة باعثك، بتكبيرات يهزّ صداها أركان الفضاء الفسيح، باهتزاز يقوّي التّماسك والتّلاحم ولا يُقويه...
أرى بعينك عباد الرّحمن الذين يطّوّفون بالبيت العتيق، والتّعب والإرهاق للذّكر غير معيق .. ودموع التّوبة والنّدم ترحّب بدموع الفرح بالتّصفيق .. لضيف يذكّرهم بعفو
الله الواسع دون تضييق، لمن أخلص وتاب وبذل من أجله الغالي والنّفيس .
وأرى فيك بهجة من اصطفّوا حول كنائسهم، منتظرين دقّات الأجراس معلنة ميلاد عام جديد، ومودّعة عاما مدثّرا بآمال تحقّقت، وسلّم مفاتيحها للغد الجديد؛ كي يكمل أصحابها فتح بوّابات الخير الذي نالوه، ويرغبون أن يبقوه، أو راثية تعاسة أجهضت على أحلام كثيرين، وربّما أغرتهم دقّات فرحها ببزوغ فجر أكثر إشراقا، وأيسر طُرقا؛ لتحقيق ما إليه يطمحون...
فيا لك من ضيف تحمل على أجنحتك بشائر الخي؛ لتضيء بها فوانيس الأمل، التي ينتظرها مريدوك!.
أرى بعينك العدل الذي تنشره عباءات الغبطة الحريريّة على الجميع بلا تمييز ، وكأنّك قاضي السّرور والبهجة الذي يفرض على كلّ القلوب الامتثال للأمر؛ رغبة في إزالة همّ كلّ مهموم ، وتفريج كربة المكروب ، الذي يصدر الأوامر لقلبه بعدم دفق دم السّعادة والفرح الطّروب ...
ويا له من عدل حين يتوّج بوقت محدّد؛ تبغي فيه السّيطرة على جميع القلوب، وتوحّد وقت بث المشاعر الاحتفاليّة؛ جاعلا أصحابها سواسية رغم ما هم فيه مختلفون!.
فمرحبا بك أيّها العيد الذي يحلّ ضيفا على كثير من الرّبوع؛ مشعلا مشاعل البهجة ، وجاعلا شرايين القلوب تتدفّق بسائل المحبّة المعطّر بشذا الفرح؛ لينشر بين الورى مودّة وألفة... وشكرا لمن أرسلك زائرا، يحفِنُ من جعبته حفنات الخير، والعدل، والوحدة والسّرور، وناثرا إيّاها في وجوه محبّيه بكلّ حبور...