من والى الاتحاد العالمى للابداع الفكرى والأدبى
توفيق الحكيم له عبارة موجزة تختصر قضية التنافس والتأثير فى الساحة الحضارية فى العالم ، حيث قال رحمه الله " الشرق العربى يقف دائماً من الغرب موقف السائل الذى يقول : اعطنى ، اعطنى حريتى ، اعطنى استقلالى ، اعطنى علماً ، اعطنى أفكاراً ، اعطنى مبادئ ، بينما لو أن الشرق قال للغرب ذات مرة : خذ منى فكرة تنفعك لنظر اليه الغرب فوراً " .
ما دام العرب والمسلمون فى موقف المستهلك والمشاهد والمتتبع والناقد والمندد والشاجب فقط لما يطرحه الغرب من مشاريع وابتكارات وأفكار وأعمال فكرية وثقافية وأدبية ، فسيظلون فى موقف العاجز الضعيف الذى لا ينظر اليه أحد ولا تعيره الأمم الأخرى أى اهتمام ، ولذلك لاحظنا كيف ينظر الغرب الآن الى ايران – على سبيل المثال - باحترام وتقدير وما تبع ذلك من تحالفات دعمت موقف ايران سياسياً واستراتيجياً وصنع لها هذا النفوذ الهائل اقليمياً ودولياً ، وكان لما أنتجته وقدمته على المستوى الحضارى والثقافى والفكرى والفنى الدور الأكبر والأخطر فى وصولها الى هذه المكانة العالمية التى تحظى بها اليوم .
أتذكر هنا أيضاً مقولة " جريفيت " صاحب الفيلم العالمى الخالد " التعصب " ، بعد أن انتهى من كتابة السيناريو قال : " لقد عثرنا على لغة كونية ، لقد امتلكنا القوة التى يمكن أن تجعل الناس اخوة وأن تنهى الحروب الى الأبد " ، ويقصد تمكنه من الابداع والفن الذى استطاع به التأثير بفكره الذى ألبسه ثوب الابداع ووضعه فى اطار فنى يشاهده الملايين ، ليسحرهم ويستميل عقولهم ويدغدغ عواطفهم ويستحوذ على اهتمامهم بالفكر والأدب والفن معاً .
لعل موازين القوى السياسية فى العالم اليوم تعكس بصورة واضحة كيف لعب الفعل الفكرى والثقافى الاستراتيجى المدروس الدور الأكبر والأهم فى تشكيل خريطة موازين القوى السياسية ، حتى يكاد يتوزع النفوذ الدولى والاقليمى اليوم بين من يمتلكون منافذ وأدوات مخاطبة العالم حضارياً وثقافياً وفنياً بين ايران والغرب والولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل ، لتصبح مقولة أفلاطون هى الأكثر صدقية وتحققاً على الأرض عندما قال " رواة القصص هم من يحكمون العالم " .
المشكلة الكبرى التى تواجه المبدع والمفكر العربى الحر الذى يتمنى ويسعى لاثبات وجوده وحضوره بأعمال أدبية وفكرية وفنية راقية قادرة على المنافسة والصمود فى سوق الابداع الحضارى هى غياب الدعم المؤسسى ؛ حيث يقف المبدع العربى وحده فى عراك وصراع مستميت لانتاج فيلم أو نشر ديوان أو مجموعة قصصية أو الزحام والمنافسة بكتاب نقدى أو طرح فكرى ، وربما انسحب بعد عمل يتيم أنهكه وحرق جهده ووقته وعمره الى الأبد ، لأنه فور انجازه له سيكون قد ضحى بالكثير من وقته وأعصابه وأمواله فى مغامرة غير محسوبة فى عالمنا العربى والاسلامى الذى تغيب فيها تماماً الجهة والمؤسسة الداعمة للنشاط الثقافى والابداعى .
استطاع الغرب وايران حل هذه المشكلة المعقدة بشكل كبير ، حيث تقف الدولة وكثير من مؤسساتها الفاعلة القوية خلف الانتاج الثقافى بصفة عامة داعمة بقوة له بحسب استراتيجية مدروسة وخطط مستقبلية تضع هذا الملف الحيوى والحساس والخطير كأولوية ونافذة رئيسية يخاطب من خلالها الغرب وايران العالم والآخر بقصد التأثير وترويج الرؤى والأفكار ، وبقصد التواصل والتفاعل مع الحضارات والثقافات الأخرى .
الاتحاد العالمى للابداع الفكرى والأدبى الذى تأسس مؤخراً وانطلق بجهود نخبة مميزة من رموز الفكر والأدب العربى ، أمامه مسئولية عظيمة وثقيلة لتصحيح هذه الأوضاع المعوجة ولوضع الأمة الاسلامية والعربية بقوة واحترافية فى ساحة التأثير الحضارى الايجابى العالمى ، لقد تأخرت أمتنا كثيراً بالنظر الى ما أنجزه الآخرون فى هذا الميدان ، وحان الوقت الآن لنسمع العالم كلمة المبدع والمفكر والأديب العربى والمسلم الحر ، وحان الوقت لتلحق الأمة بركب المنافسة من نقطة البدء الى جولات الحسم الى نتائج وتداعيات الظهور والحضور ، من لفت أنظار العالم الى تراث وثقافة وابداع الأمة ، الى الاسهام فى اعادة الأمة لمكانتها ودورها التنويرى الريادى ، الى دعم مواقفها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية .
الى كل مبدع ومفكر عربى حر ، فهذا الاتحاد تأسس لايصال صوتك وابداعك وفكرك الى العالم ، وليرشد الجهود ويوفر الأوقات وينظم المسيرة ليصبح عملنا وانتاجنا أكثر قابلية للحياة والانتشار والصمود والمنافسة ، فهيا الى الاتحاد والبناء والاسهام فى انجاح التجربة التى من شأنها لو كتب الله لها النجاح أن تنقل تجربة الابداع والفكر العربى نقلة نوعية ، من القطرية الى العالمية ، ومن العشوائية الى التنظيم والمؤسساتية ، ومن الفردية الى الجماعية ، ومن الغفلة أحياناً والتكاسل أحيانا الى الوحدة وروح العمل الجماعى التى تثير الحماسة والنهضة الدائمة والنضال الدؤوب .
لا ينقصنا شئ ، فقط بالصدق واخلاص النوايا والتنسيق وتوظيف التكنولوجيا واعمال العقل وتجميع الجهود من كل بلد عربى ودفعها برشد واتقان الى ساحة العرض التى يتابعها العالم كله باهتمام وشغف ، سنصل لا محالة الى أهدافنا ، ما دمنا سلكنا الطريق الصحيح وكانت غايتنا هى خدمة الأمة والعروبة والاسلام الحضارى والفكر والابداع الانسانى الراقى .
فلا تتأخروا .. فضلاً عن أن تترددوا .
أخوكم / هشام النجار