لم تكن هذه المرّة الأولى التي أقف بها على مشارف تفكيري الغارق.. فلطالما سقط من مقبض ذكرياتي المعلّقة الكثير من المجهول و المعلوم.. إلاّ أنّني امتلكت الجرأة و أخيراً لأمسك بقلمي الضائع بين جزيئات الذكريات المتبقيّة..
رفضتُ الكثير من الأحداث التي سلكت طريقي الحديث.. فلم تكن هي حياتي التي اعتدت العيش في روحها و أحلامها.. و لم أكن أعلم كم كنت متعلّقة بتلك الحياة القديمة إلاّ حين فقدتها!!
الحياة اليوم مختلفة.. تنتابني فيها مشاعر الرفضِ المتهالك.. و يعتريني في ألْويَتِها الصغيرة إحساس الوحدة الرهيب القابع على قلبي كالحجارة.. فتمسّكي بالقديم يقتل في روحي كلّ حلاوة قد تُحيي الجديد في مساحات القادم.. و كأنّ الليل حلّ دون شروق.. و الغد غادر من قبل الحلول.. أو كأنّ العمر انتهى في دنيا غريبة عن تلك التي كانت قد تكون.. فوجدّتني في هذا المكان.. و على ضفاف تلك الأمكنة المتطرّفة حولي و التي أجهل فيها كيف أنّي قد أكون!!
نعم.. كيف أكون الأنا القديمة تلك بأفكارها و حياتها و ضحِكاتها و فرَحِها.. كيف قد أعاود الحياة بذاتي في مكان لا أجد فيه إلاّ غربة الأصحاب و الروح.. في أزمنة اختلفت عن تلك الأزمنة السابقة التي أحيتني و تُحييني حتى اليوم.. كيف أن لا يفصل بيني و بين تلك الدنيا إلاّ شارع واحد و زمان قصير و مع ذلك لا أجد أيّ سبيل للعودة لتلك الأحلام و الحياة التي كان لي فيها أمكنة كثيرة ؟!
لم أدرك كم كنتُ أعشق حياتي تلك إلاّ بعد الرحيل.. قلتُ في ذاتي سأنسى و أعتاد الجديد.. لكنّ الأمور لم تكن كذلك.. فقد وجدت نفسي أغرق في أحلام العودة المستحيلة و الزمن الذي لا يعود إلى شواطئه أبداً.. و أخذني المدّ إلى أطرافه الغارقة في بقايا أيامي التي بدأت تتلاشى.. بل و بدأت آمالي مصافحاتها الوداعية مع تلك الذكريات الجميلة.. و صوتٌ يعلو في كلّ البقايا أن انتهت رحلتكِ القديمة و بدأتِِ يا أنا رحلةً جديدة..
كم هو صعبُ أن نغادر تلك الأزمنة و الأماكن.. لم أعرف أنّني قد أعاني يوماً مرارة فراقٍ لتلك الحياة.. و لكنّها غادرت.. و صور الذكريات في مخيّلتي تتلاشى.. صور الأصحاب و أبنية الأماكن القديمة.. حتى أصواتهم أظنّها يوماً قد تطلق وداعيّتها هي الأخرى عن مكاني!!
و تكاد الحكاية أن تغادر هذا الواقع.. و تكاد ذكرياتي تودّع الحياة إلاّ من بعض النقوش على جدار القلب المتماسكْ..
لم يتبقّ لي اليوم إلاّ أن أسلّم حياتي لهذا الواقع فأبني حياةً أخرى جديدة.. لعلّني في أحد الأيام أستطيع العيش في هذه البقعة التي أركن فيها.. و التي قد تكون يوماً ما..
........................................ أزمنة قديمة!!
((هل يكون ؟! ))
تحياتي
لجين الندى
((أخــاف ذنوبي***و أرجــو رحمتــك))
ر.ا.ح