كيف تدير حواراً ناجحاً
في المنتديات ؟
بهجت الرشيد
خلاصة تجربتي في مجال الحوارات التي قمتُ بها في الواحة الثقافية ، أضعها اليوم بين أيديكم ، عسى أن تنفع ، وتدفع بحواراتنا نحو أجواءٍ أكثر جدّية وفاعلية ، وتبعدها عن الفوضوية والعشوائية والعبثية ، والتي قد تصلّ إلى حالات متدنّية لا تمتّ إلى الحوار بأية صلة سوى الاسم ..
كما يمكن أن تضيفوا نقاطاً أخرى من تجاربكم ، حتى تكتمل الصورة ويتضح المشهد ..
1 ـ عندما نتحاور في المنتديات ، علينا أن لا ننسى أننا نتحاور ـ في كثيرٍ من الأحيان ـ مع أشخاص مجهولين لا نعرفهم ، بدءاً من أسمائهم المستعارة والوهمية ـ الواحة الثقافية تعالج هذه المسألة بكل حزم ـ ، ومروراً بانتماءاتهم الفكرية أو الحزبية أو الجهوية ، وانتهاءً بنيّاتهم المضمرة ، هل يتحاورون من أجل الوصول إلى الحق ، أم للدفاع عن وجهات نظرٍ مسبقة أو مصالح شخصية وحزبية .. الخ ..
وبالتالي لا بدّ أن تبني حوارك مع الطرف الآخر على ما هو مكتوب أمامك من آراء وأفكار ، أي لا تتورّط في الحوار بالتعرض لشخصية المتحاور .. نيّته .. انتمائه .. إلا إذا صرّح هو بذلك ، وكان الكلام فيه يخدم الحوار ..
قد تحاور صديقاً أو شخصاً تعرفه ، فضع صداقتك ومعرفتك به جانباً ، فالقارئ لا يعلم تلك التفاصيل ، ولا يهمّه ذلك ..
واعلم أننا نتحاور عبر هذه الشاشة البرّاقة دون مراقبة ومعرفة مشاعر وأحاسيس الطرف الآخر ، لذا فليكن بيرقنا وشعارنا حسن الظن به ودماثته حتى يثبت العكس .
إذن .. ركزّ في الحوار على الأفكار والآراء المكتوبة أمامك ، ولا تتعب نفسك في البحث عن ما ورائيات النص .. لا مكان لإدخال الأمور الشخصية والخصوصيات في الحوار ..
كنت أناقش شخصاً فقال لي : ما الذى يدفعني إلى قول كذا وكذا .. فأجبته :
" هذا بينك وبين ربك ، فلست مطالباً بتفتيش قلوب الناس ، وإنما أناقش وأحاور ما هو مكتوب أمامي .. "
2 ـ مشكلة لم نتخلص منها .. ويعاني منها كل من ابتلي بحوارٍ جادٍ ، خروج عن الموضوع ، ومشاركات طويلة وعريضة محشوّة بتفاصيل لا تمتّ أكثرها الى الموضوع بصلة .. غير مطلوبةٍ وغير مجديةٍ .. كلامٌ مرسلٌ ، وخطابات عاطفية ، أقرب إلى خطبة جمعة منها إلى حوار علمي !
نسخ للمشاركات من منتديات أخرى ( Copy – Paste ) ، من غير مراعاةٍ لفكرة الموضوع ولا سياقه .. فأنت تتحدث في وادٍ ، وهو يأتيك بموضوع مستنسخٍ من وادٍ آخر ! أو يأتيك بموضوع اختلط فيه الخاثر بالزباد !
فكيف تتعامل مع ذلك ؟
أخي المتحاور .. لا تتورّط مع تلك التفاصيل التي لا تعنيك ولا تغني موضوعك ، فلو دخلت فيها :
ـ فلن تصل إلى نتيجة ، لأنها سوف تأخذك إلى تفاصيل أخرى .. وهكذا في حلقة مفرغة .. متاهات .. فيضيع موضوعك الأصلي .
ـ وترى أنك بدل من أن تناقش موضوعاً واحداً محدداً ، قد خضّت في مواضيع جانبية كثيرة ، تتعبك وتأكل وقتك وجهدك من غير منفعة ترجى ، وقد يتطور الحوار إلى الجانب السلبي ، فتدخل حلبة مصارعة !
ـ الخوض في التفاصيل يعطي للطرف الآخر مجالاً واسعاً للفّ والدوران ، والتهرب من جواب الأسئلة ، والالتفاف على الفكرة الأصلية ، فتأتيه يميناً ، فيأتيك شمالاً .. وبنو البشر أعطو جدلاً ..
والحل :
ـ اقرأ مشاركة محاورك جيداً .. استخرج منها النقاط التي لها علاقة وصلة بموضوعك ..
ـ نبّهه بشكلٍ مختصرٍ إلى أن في مشاركته ومداخلته تفاصيل لا علاقة لها بالموضوع .. وقد تعطي له مثالاً بسيطاً لذلك ..
ـ أكتب له محدداً فكرة موضوعك ( نحن نتحدث عن كذا ) .. وجّه إليه أسئلة مباشرة .. ولتكن مداخلتك على قدر الحاجة ، فلا تزد ولا تنقص ، وابتغِ بين ذلك سبيلاً ..
إذا فعلتَ ذلك فماذا ستستفيد ؟
1 ـ موضوعك لن يتشتت ، سيبقى واضحاً ومحدداً للجميع .. ولن يتشتت ذهنك أيضاً ..
ـ لن يستطيع محاورك أن يتهرب بإدخالك في التفاصيل لتتوه فيها ، وجرّك إلى متاهات لا تنتهي .. وإذا فعل ، فسوف ينكشف أمره ، ويتضح أنه لا يريد من الحوار إلا المراء والجدل العقيم ، أو أنه عرف خطأه لكنه يكابر أو .. الخ .. ولله في خلقه شؤون ..
ـ ستتعرّف إلى مدى علمية محاورك ، هل يتكلم عن علمٍ وبصيرةٍ وحجةٍ وبرهانٍ ، أم عنده نتفٌ من العلم ، أم أنه يتكلم بعاطفة ، ويردد كالببغاء ، ويتبع طريق ( النسخ ـ لصق ) من هناك وهناك ..
ـ تحافظ على وقتك وجهدك من الضياع فيما لا نفع فيه ..
3 ـ دائماً ـ كما قلنا ـ حدد نقاط المناقشة ، ولتكن أسئلتك مباشرة ودقيقة .. كما يجب عليك الإجابة عن أسئلة محاورك ( المتعلقة بالموضوع ) بوضوح وصراحة ، وإيّاك والتهرب من الإجابة واللفّ والدوران ، وجرّ المناقشة إلى حالة ضبابية ، فإن ذلك يُفقد مصداقيتك ، ويضعف حجتك ، حتى لو كنت مصيباً ..
إذا ظهر صواب محاورك في أمرٍ فاعترف له .. فالحق أولى بالاتباع ..
4 ـ اللغة في الحوار يجب أن تكون عربية فصيحة قوية واضحة ، ابتعد عن الغموض والتكلف ، وحشو الحوار بالمصطلحات الغريبة ، وخاصّة في الحوارات الشرعية ، فإنك لا تريد أن تظهر عضلاتك اللغوية وبراعتك واطلاعك أمام محاورك .. ولتكن همّتك نقل المعلومة إلى المتلقي ليفهمها ويعيها ، لا ليفكّ طلاسمها ويحلّ تعويذتها السحرية !
فالمتلقي قد يكون من أهل الاختصاص ، وقد يكون دون ذلك .. كانوا طرائق قدداً ..
وإذا كان الحوار في الأمور الشرعية فالتزم وراعِ مصطلحاتها المعروفة .. فإن قلت هذا حرام ، فذلك يعني أنه من عمل به يأثم ومن تركه يُثاب .. ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ) .
ثمّ إياك واللعب على اللغة ، فاللغة قد تخدع !
5 ـ قللنا من شأن من يمارس ( النسخ ـ اللصق ) من مواقع الأنترنت ، فهل ذلك يعني أن النقل والاستفادة منه خطأ ؟
الجواب .. قطعاً لا .. بل أنا أشجع على ذلك ، فهو مخزن معلوماتي هائل ..
لكن السؤال المهم هو : كيف نستفيد ؟
اقرأ واطلع على ما بدا لك من مواضيع ومشاركات وأراء وفتاوى ونُقول من الكتب ، ولكن احرص على أن لا تنقل شيئاً إلى حوارك الشخصي إلا بعد أن تتأكد من تلك المعلومات وتقتنع بها .. صحتها .. مناسبتها .. سياقها ..
فمثلاً لو قرأت في موقع أن الإمام الشافعي قال في الرسالة كذا ، فلا تعتمد على نقل الآخرين ، بل خذ العبارة وابحث عنها في كتاب الشافعي ، هل قالها ؟ هل الاستدلال بها في حوارك صحيح ومناسب ؟ ما هي سياق تلك العبارة ؟ وهل أراد الشافعي منها ما نقله فلانٌ وفلانٌ ؟
فقد ينقل البعض كلاماً لعالمٍ أو كاتبٍ دون تدقيق ، فيتضح أن نقله لم يكن مُوفقاً .. فهو لم يراعِ سياق العبارة المنقولة وسباقها ولحاقها ..
فلا تورّط نفسك بنقلٍ عمياء للمعلومات من غير تدقيقٍ وتمحيصٍ وفهمٍ .. بل ارجع إلى المصادر الأصلية وتأكد ، ولا تكتفِ بالبحث عن العبارة ، بل اقرأ صفحات قبلها وبعدها ، فإن ذلك يرسّخ عندك حسن الفهم ، ويزيدك اطلاعاً ومعرفة ..
وَحَسنٌ تفعل إذا ذكرت في نقولاتك اسم الكتاب والمؤلف وسنة طبع الكتاب ومكان طبعه ، حتى تكون مشاركاتك منهجية وعلمية رصينة..
وإياك أن تنقل شيئاً أنت غير مقتنع به ..
إذن استفد من الانترنت .. ولكن بالطريقة الصحيحة ..
5 ـ دائماً رحب بمحاورك .. ابدأ معه بعبارات الأخوة والمحبة .. ركزّ على المتفق بينكما قبل الدخول في المختلف .. فبعض الناس يتصوّر أن مجرد اختلافك معه ، تهجّم عليه وتسفيهٌ لرأيه ، بل وتفسيقٌ وتضليلٌ وتكفيرٌ ! فترى بعضهم وكأنّه يمارس حواراً وجودياً .. إما أكون أو لا أكون !
لذا أشعره ـ بكلمات لطيفة ـ في بداية الحوار بأنك وهو تتناقشان وتتحاوران من أجل الوصل إلى الحقيقة ، وليس لتصفية حسابات أو من أجل اسقاط شخصي ..
وخاطب محاورك باسمه .. لأن الاسم له وقع رنانٌ جميلٌ ..
اختم مشاركتك بالتحية والدعاء له .. وتمنّ له التوفيق والصلاح والفلاح ..
لا تفعل ذلك مجاملةً أو مداهنةً ، بل صدقاً خارجاً من قلبك .. أما إذا لم يكن للقلب من ذلك نصيبٌ فعدم فعله أفضل !
6 ـ وأخيراً وهو المبتدأ في الأصل ، إجعل نيّتك وقصدك في كل ما تكتبه .. الله تعالى ..