قال ابن جني في الخصائص : " اللغات على اختلافها كلها حجة ، ألا ترى أن لغة الحجاز في إعمال ما ولغة تميم في تركه ; كل منهما يقبله القياس ، فليس لك أن ترد إحدى اللغتين بصاحبتها لأنها ليست أحق بذلك من الأخرى ، لكن غاية ما لك في ذلك أن تتخير إحداهما فتقويها على أختها وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها وأشد نسبا بها ، فأما رد إحداهما بالأخرى ; فلا .
ألا ترى إلى قوله : ( نزل القرآن بسبع لغات كلها شاف كاف ) هذا إذا كانت اللغتان في القياس سواء أو متقاربتين ، فإن قلت إحداهما جدا وكثرت الأخرى جدا أخذت بأوسعها رواية وأقواهما قياسا . ألا ترى أنك لا تقول : المال لك (بكسر لام لك ) ولا مررت بك ( بفتح باء بك ) قياسا على قول قضاعة المال له ( بكسر لام له ) ومررت به ( بفتح باء به ) ولا أكرمتكش قياسا على قول من قال : مررت بكش ، فالواجب في مثل ذلك استعمال ماهو أقوى وأشيع ، ومع ذلك لو استعمله انسان لم يكن مخطئا لكلام العرب فإن الناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ ، لكنه مخطئ لأجود اللغتين ، فإن احتاج لذلك في شعر أو سجع فإنه غير ملوم ولا منكر عليه ."