رافد واحد ومصب واحد
بقلم ربيحة الرفاعي
فتحنا أعيننا منذ بدأنا نعي ما يقال لنا على حكايات الفظائع التي مارستها عصابات الهاجاناة ومنظمتا الآرجون وشتيرن، ضد الشعب الفلسطيني، قتلا وبقرا للبطون وتنكيلا بكلّ من يقع في قبضتهم بأبشع الصور، ومجازر سطرت بالدم في صفحات التاريخ، في خلق مقصود لكوارث لاإنسانية تجلّت بتكريس قيم الكراهية والتحريض، ولغاية كانت تتضح أكثر فأكثر مع كل خطوة باتجاه تحقيق المشروع الصهيوني ومع كل همجية الممارسات وبشاعة الحضور في المشهد، في مقابل الصمت الدولي والسلبية التي مارسها الجميع ابتداء من مجلس الأمن ومرورا بالدول الصديقة و الجارة والشقيقة والذي توزع بين متواطئ ومؤيد ومتعام عن ما يجري ومدّع مواجهة، كما يحدث الآن في إعادة التاريخ نفسه بصفحة تحمل عنوانا جديدا.
لقد تحققت الغايات ونشأت الدولة الصهيونية التي قامت على أنقاض دولة دمرت وشعب ذبح وهجّر، لم توار المتورطين في تشريده أقنعة ولا سترتهم ادعاءات .. لكن الدولة المختلقة ظلت كيانا مرفوضا من محيطها على المستوى الشعبي، باعتبارها مسخا قائما على أساس عقدي، لم تكتمل فيه مقومات الدولة في أحد أهم عناصره الثلاث وهو الشعب، فتشكيل السلطة السياسية واحتلال الإقليم -الذي تصادف أن يكون الأرض الفلسطينة لظروف الأمة المشرذمة وقياداتها المنقادة بغض النظر عن العنوان الأصح لوصف أو تعريف انقيادها- لا يكفيان في ظل عدم وجود شعب تجمعه أهم عوامل تحقيق اللحمة والإمكانية التوحدية من عرق ولغة وثقافة وعادات وتقاليد وتاريخ وإرث حضاري، باعتبارها الأسس المشكلة للقومية الأثنية، فكان استيراد خلطة سكانية من قوميات وأعراق مختلفة -لمجرد اعتناقهم دينا واحدا- لينضووا تحت راية دولة بدع باسم شعب، في محيط تجمعه جميعا قومية واحدة تحققت فيها كل العناصر تقريبا، وهنا بدأت الحكاية الجديدة، فهذا الكيان الهجين لن يكون طبيعيا حتى يكون محيطه شبيها به، وهو ما استدعى اشتغال من صنعوا عصابات الهاجاناة بعرقلة الصيرورة التاريخية للقيم المثلى ووضع الخطط والترتيبات لصناعة النسخة الجديدة من عصابات الملوثين .. وكان ...
ففي هذا الاتجاه كانت الاستراتيجية الأمريكية لتحقيق التغيير الشامل في العالم العربي والإسلامي والمعروفة اليوم باسم"مشروع الشرق الأوسط الجديد"، والتي أعلن بوش الابن في أحد مفاصل الكشف عنها في نوفمبر 2003 أمام المجلس الوطني لتنمية الديمقراطية أن واشنطن ستتبنى استراتيجية مستقبلية جديدة في الشرق الأوسط ، كما أدلت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في العام 2005 بحديث لجريدة الواشنطن بوست تحدثت فيه عن نيه الإداره الأمريكيه نشر الديمقراطيه في العالم العربي والتدخل في بعض التفاصيل الحقوقية لتشكيل ما يعرف بالشرق الاوسط الجديد مشيرة إلى ما يسمى بالفوضى الخلاقه Creative Chaos لنشر الديمقراطيه و الحريه في دول المنطقه، والفوضى الخلاقه مصطلح انتشر وشاع ابان غزو العراق، ويقصد به تحقيق التطور المطلوب بعد إحداث فوضى مقصوده تهيء له، وكان الكونجرس الأمريكي قد وافق في العام 1983 على مشروع أطلق عليه اسم حدود الدم Blood Borders صاغه اليهودي البريطاني برنارد لويس، يهدف إلى تقسيم وتفتيت الدول العربية والإسلامية إلى دويلات على أساس ديني ومذهبي وطائفي.. وها قد بدأت عمليات التمحور الجماهيري في المنطقة باتجاهات تؤدي تلقائيا لتنفيذ المراحل الأخيرة من مشاريع تفتيت دولها إلى دويلات تقوم على الأسس آنفة الذكر
فما شأن هذا بذاك؟
الأمر واضح واللعبة باتت مكشوفة الأوراق في ظل ما يجري من تسريع لعمليات التمزيق وفقا للخطط التي دخلت مراحل التنفيذ الفعلي مع بداية الألفية الثالثة خارجة من ملفات أشرفت عليها وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاجون ضمن إستراتيجية التغيير فى المنطقة من المغرب إلى أفغانستان، واستثمار زعزعة الاستقرار القائمة في الخروج بتنظيمات إرهابية ترفع شعارات دينية لتوظيفها في خلق دويلة دينية تكون نسخة أخرى من الدولة الصهيونية
ولم يعد ثم الكثير ليقال، فقليل متابعة لأخبار داعش يفتح صفحات الهاجاناة بذات التفاصيل تقريبا ..
الدعوة مفتوحة للجميع لمبايعة دولة الخلافة/ داعش والسفر لحيث سلطانها ليصبحوا جزءا من مجتمعها، وهي كسلفها الهاجاناة وكغيرها من الجماعات الإرهابية تستهدف فئات معينة تعيش ظروفا تزلزل بطبيعتها دواخل أفرادها وتجعلهم أكثر قابلية للتغرير بهم كأولئك الذين يعانون من مشاكل الاندماج وفقدان الهوية من أبناء المهاجرين في دول الغرب، والتائهين الموتورين ممن فقدوا قيمة وجودهم وانتماءاتهم من الغربيين بالإضافة لليائسين من أبناء الفئات الاجتماعية المسحوقة من أبناء المنطقة، يغويهم المال أو يتحقق لهم تفريغ شحنات الغيظ والأحقاد في أعماقهم بدموية الممارسات تجاه الآخر المختلف أيا كانت زاوية اختلافه.. وها هي الأخبار تتوالى عن انضمام مستوردين من كل الجنسيات لعصابات تمارس همجيتها بأبشع ما يكون لتكريس الصورة في لا وعي الشعوب قبل أن تستقر على الخارطة كيانا مسخا قائما على اساس عقدي، وكما شكلت عصابات الهاجاناة وصاحباتها جيش الدولة البدع التي قامت على الأراضي المحتلة في فلسطين، سيكون هؤلاء جيش الدولة البدع وشعبها المستورد.