هل ينفع العشق بعد الزواج؟
قبل بدء التحليل نرى أنه لا بد أن نفرق أولا بين الحب والعشق حتى لا تختلط المفاهيم فيؤثر ذلك على الفكرة التي نريد بسطها. فالحب هو ذلك الشعور الذي يستقر في القلب وينتج ميولا بين الرجل وزوجته - أو من أحدهما تجاه الآخر- بسبب ميزات مختلفة يكتشفها الطرفان أو أحدهما تبعث على الارتياح والاعجاب وقد تكون ميزات جسمانية أو نفسية وعقلية, وهو لا يتعارض غالبا مع العقل. نلاحظ أن الميزات الجسمانية لها دور في هذا النوع من الحب وهي مرتبطة بباعث الشهوة, وهذا ما يميز الحب بين الازواج والحب بين باقي البشر فلا يصح مثلا أن يكون لهذا الجانب مكان بين الرجل والرجل أو بين المرأة والمرأة, إلا في حالة الشذوذ, وهو ما يمكن تصنيفه في الجانب الثاني وهو العشق.
و نعرف العشق على أنه ذلك الشعور الذي يتمكن من القلب وينتج عنه ميولا شديدا بين الرجل والمرأة -أو من أحدهما- بسبب ميزات غالبها جسماني ووهمي ومن نتائجه أن يتغاضى العاشق عن سلبيات المعشوق وقد يخلق لها تأويلا إيجابيا, وهذا يخلق بدوره صورة وهمية وقد تكون مثالية في قلب العاشق, ويتعارض غالبا مع العقل بحيث يجد العاشق -الذي لم يطغى على قلبه العشق كلية- نفسه في تناقض ناتج عن رفض العقل للمعشوق بسبب ميزات معينة كالخُلُق, وتعلق القلب به. ومن أسباب هذا التعلق الوهمي بعد العاشق عن معشوقه أو تخوفه من فقده وهذا بسبب العلاقة الهشة التي تربط الطرفان كونها غير مبنية على عقد سليم ومتين وهو عقد الزواج فتكون عرضة للزوال في أية لحظة من الطرفين أو من أحدهما بالخصوص كون ذلك لا يترتب علية نتائج الفسخ.
وقد يكون العشق بين الرجل والرجل وبين المرأة والمرأة وهذا أشد إنكارا من العشق الأول. فالصنف الأول يعاب عليه المخالفة الشرعية والثاني لمخالفته الشرع والفطرة في وقت واحد.
إنطلاقا مما سبق يتبين أن الحب والعشق حالتان مختلفتان وأكثر ما يميز هذا الاختلاف هو التوافق والتعارض مع العقل السليم. ومن هنا يمكننا أن نبين كيف أن العشق لا يصلح بعد الزواج.
لقد بينا أن من نتائج العشق التغاضي عن سلبيات أساسية موجودة عند المعشوق وإعطائها تأويلات إيجابية وهذا بسبب معارضة العقل وذلك لتجنب الصراع الداخلي عند العاشق أي أن العقل يهتدي إلى طريقة المسايرة نتيجة لقوة العشق وتسلط القلب حتى يحمي صاحبه من الانهيار أوالامراض النفسية والجسمية لحين زوال أو ضعف عامل العشق لاسباب خارجية غالبا كالابتعاد عن المعشوق أو التغلب التدريجي لعقل بسب بروز الميزات السلبية وتعاظمها في عين العاشق, فالعقل بطبيعته يتجنب الصدام مع القوة الكبيرة لحماية الجسم من الهلاك, ونشير هنا أننا لا نقصد بالعقل الدماغ بل عقل الرشاد الذي يجعل صاحبه يميز بين الحق والباطل وهو على الارجح موجود في القلب ذاته. ونجد بعض ممن يملكون قوة عقلية كبيرة وإصرارا منها على تمييز الغث من السمين يعيشون في صراع داخلي مستمر لحين تغلب العقل أو هلاك العاشق! (هاته فكرة أضعها هنا تحتمل النفي وتحتمل الاثبات)
ومن هنا يتبين بأن العشق لا يصلح للحياة الزوجية كونه يُبنى على وهم وعلى التغاضي عن سلبيات أساسية عند المعشوق كالخلُق السيء وعدم تحمل المسولية وهي ميزات ات لا تصلح للحياة الزوجية للأسباب الآتية:
-الحياة الزوجية تتطلب الصبر على المسؤولية ومتاعب الحياة
-الحياة الزوجية تتطلب الصبر على الطرف الآخر وسلبياته
-الحياة الزوجية تتطلب تفهم الطرف الآخر وخصوصياته
-الحياة الزوجية تتطلب الصبر على طاعة الله والتعاون عليها
-الحياة الزوجية تتطلب الصبر على قلة ذات اليد
-الحياة الزوجية تتطلب الصبر على الأقارب والتعامل معهم
-الحياة الزوجية تتطلب الصبر على الرفق وتغليبه في أغلب الحالات
-الحياة الزوجية تتطلب الصبر على الوفاء
-الحياة الزوجية تتطلب الصبر على الصبر...
والتغاضي عن سلبيات تتعلق بهاته العناصر -وهو من خصائص العشق- لا يصلح أن يكون في الحياة الزوجية لئلّا يهلك بيت الزوجية, فهنا ينبغي التطرق إلى هاته السلبيات الأساسية ومعالجتها بالتدريج حسب أهميتها وأثرها على الحياة الزوجية وهو الطريق الأمثل لحماية بيت الزوجية.
فالعشق بطبيعه وبسبب وجود هذه العوامل يتحلل بسرعة بعد الزواج كونه لا يصلح لهاته المرحلة ولا مكان له فيها, وهذا مثل الاعضاء تتحلل وتموت إذا لم تجد لها وظيفة وهي سنة الله في خلقه. وبالتفصيل فإن الأطراف تدرك من غير شعور كبير حقيقة الآخر كيفما كانت وبأنه لايمكن التغاضي عن الصفات الأساسية كما كان عليه الحال سابقا بسبب اختلاف الأوضاع. فالزوج مثلا إذا كانت زوجته ذات شخصية قوية وصارمة , فقبل الزواج قد يجدها صفة محمودة وباعثا على الاعجاب, وبعده يجدها صفة سيئة وسلوكا غير سليم.
وتجدر الاشارة وكما و معلوم إلى آثار العشق بعد الزواج, فالصورة التي كان يصنعها العاشق عن المعشوق لا تزال حاضرة بعد الزواج ويبدأ عقله في المقارنة والاستنتاج وتحليل الفارق. فيتبين له أحد الأمرين :
- إخفاء الطرف الآخر حقيقته في فترة العشق وبالتالي صفاته غير المحمودة
- زيف الصورة التي كان يرسمها في تلك الفترة.
وهذا ما يجعله يحمل الطرف الآخر مسؤولية تلك النقائص.
فإما يتغاضى فيرضى بالواقع ويحاول معالجة الأمر وإما ينفصل.
وهذا يبين أهمية صفاء الفترة التي تسبق الزواج بغية عدم تشكيل تلك الصورة الوهمية, وأهمية صغر مدة الخطوبة ومراعاة حدود التعامل.
نعرض حديثين شريفن لهما علاقة مع الموضوع ونجد أنهما يعالجان الحالتين.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لم ير للمتحابين مثل النكاح", رواه ابن ماجه وصححه الألباني بهذا اللفظ.
ويقول "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤِمْنِةً: إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خلقا رضي منها آخر» . رواه مسلم.
فالحديث الأول -على تقدير صحته- يبين بأن الزواج حل في حالة وقوع العشق, وهنا نتكلم على ما يقع دون إرادة بإنشاء علاقة محرمة, فمن شأن الزواج هنا أن يبين للعاشق حقيقة الآخر وسلبياته وكذا حقيقة العلاقة الزوجية فتزول عند ذلك الصورة الوهمية التي رسمها وهو بعيد عن معشوقه فيزول ما كان به من نصب ولكنه سرعان ما يعالج أفكاره ويتأقلم مع الوضع الجديد, هذا إلى جانب استقرار نفسه وهدوئها بسبب ظفره بمعشوقه. وقد ينشأ الحب الحقيقي بسبب ميزات الطرف الآخر المناسبة للحياة الزوجية بمختلف عناصرها, وقد يحدث الأمران وهما نشوء الحب الحقيقي وزوال الأوهام السابقة.
الحديث الثاني يعالج فترة الحياة الزوجية بحيث يبين للمتزوج كيفية التعامل مع سلبيات الزوجة بحيث يرشده إلى استحضار ميزاتها الحسنة وهو كفيل بأن يزيل عنده ذلك الكره وهذا من ثمرات الحب بعد الزواج.