كان للملك وزيرا عجوزا له من الحكمة ما ليس لغيره وكان يستشيره في جميع أموره, و حدث وأن اغتاظ الملك من تصرفات بعض الناس إزاء العلماء ووزراء في الدّولة يرى فيم الخير, فكان هذا الحوار:
الملك:ما بال الناس صاروا لا يتركون عظيما إلا وسلوا عليه ألسنة الجور والبهتان فلا يسلم عالم ولا وزير ولا إمام؟!
العجوز:أيها الملك لو ألقمت كل كلب حجرا لما وجد الناس ما يسدّون به الثغور ويرفعون به البنيان و لنَحتَّ الجبال نحتا دع الناس للناس واضرب أفسدهم بأعلمهم لعلّهم يرجعون فالنصح أولى والزجر يُرجى فإمّا يأخذون بنصح العالم أو يعودون بعد انكشاف حقائقهم لدى العامة واعلم أن السحاب لا يضرّه نباح الدّواب ولا تسلن سيفك إلا عند ظهور بوادر الفتن فلا تجد لتركه بدّا.
الملك:نباح الكلاب هكذا وصلتنا !
العجوز:تغير الزمان أيها الملك وصارت الدّواب تتكلم بغير كلامها وأبهرها نباح الكلاب فصارت تنبح بنباحها وهي لا تفقه منه شيئا والكثير منها لا يضرّه مطر السحاب و لا تدري بأنه خيرً لها فما يضرّ الكلاب لا يضرّ سائر الدّواب.
الملك:صحيح فما أكثر الغوغاء لا يعلمون ما يُصلحهم ويلتّفون على كلّ صيحة, أظنّ أنّ السّيف يسع الجميع إذ لا بدّ منه.
العجوز:عليك حينئذ بالكلاب أيها الملك فإذا سكتت سكت جميع الدّواب وأقصرت عن النباح فهي لا تحسنه وارم بالعظام تدرؤ بها مفاسدا أنت في غنى عنها ولا تغفل عن الكلب العقور فإنه قد تغير حاله ولم يعد كلبا ولا يصلح له ما يصلح للكلاب.
الملك:أقتلها إذا.
العجوز:لا ولكن قم بعزلها فهي شرّ على الناس ولا تأمن العدوى
ولا تنس أيها الملك أن بعض الكلاب أوفياء ولا تجد ما يسوؤك منهم إلا النباح فارفق ولا تغلظ فمهما فعلت فتلك طبيعتهم.