|
أتَى بعْدَ طُولِ الغيابِ الربيعُ |
فأهْلاً و سَهْلاً بوَجْه السعود |
لقدْ راحَ عنَّا الشتاءُ بعيدًا |
و أَصْبح يَسْكنُ خَلْفَ الوجود |
تولَّى القُنوطُ وعبْءُ السّقام |
وسُخْطُ الصَّقيع وقصْفُ الرُّعود |
غدا الطقْسُ مُعْتدِلاً و لطيفًا |
و ما كانَ غيرَ شقاءٍ عنيد |
و عادَ إلى الكون ظلُّ السلام |
و لمْ يبْقَ شيْءٌ حليفَ القعود |
تبَرَّجتِ الأرضُ بعْدَ حياء |
و أبْرَزتِ الحسْنَ فوْقَ الحدود |
غدا البدرُ في الأفْق مثلَ مليكٍ |
مُحاطٍ بجلاَّسِه و الجُنود |
و كادَ الجمادُ يسيرُ سُرورًا |
بعَوْدةِ البهاءِ الوحيد |
غدا الطيْرُ يَشْدو غِناءً رَخيمًا |
يَشقُّ عنِ القَلْب ثوبَ الجُمود |
و يسْتقْبلُ الصُّبْحَ فوقَ الغصون |
بحُبٍّ فريدٍ و عذْبِ النشيد |
و خَضَّب فصْلُ الهناءِ الرَّوابي |
بألْوانِه ذاتِ سحْرٍ فريد |
فمَا أجْملَ الغُصْنَ بعدَ العريِّ |
غدا لابسًا خيْرَ ما في البرود |
و ما أرْوعَ الريحَ حينَ تَمرُّ |
مُرورَ الحبيب السعيد الودودِ |
غدا الورْدُ مُبتَسِمًا للحَياةِ |
وعادَ إليه احْمِرارُ الخُدود |
وَ لبَّى النباتُ نداءَ الصُّعود |
فصَار يُعاندُ طولَ البنود |
فكلُّ جريحٍ لهُ في الربيع |
دَواءُ الجُروح و دأْبُ الصعود |
فإنَّ الربيعَ طبيبُ النُّفوس |
وَ يعْرفُ ما تَبْتَغي في الوجود |
تَضَوَّع عطْرُ الخُزامى و صارَ |
يُنفِّسُ كرْبةَ كُلِّ عميد |
جرى النهْرُ بين البَساتينِ عَذْبًا |
و جاءَ اليه الورى منْ بَعيد |
و صارَ الحمامُ من الإبْتهاج |
يُصَافحُ سِرْبَ الغمام الشرود |
و عادتْ أمَاني النُّفوس العِذابُ. |
لى الصَّحْو بعْدَ حَياة الهُجود |
غدتْ في الرياض مصَابيحُ تذْكو |
و تَفْتحُ بابَ السُّرور الفريد |
بدا الياسَمينُ لطيفًا مُنيرًا |
نَقيًا كضَوْءِ الصَّباحِ الوليد |
وجاءَ الفراشُ الى الرَّوض طوْعًا |
قَبِّل شَوقًا خُدودَ الورود |
و يُعْلنُ عنْ عشْقه للجمَالِ |
و تَقْديسِ لطْفِ الوُجود المديد |
و هبَّ النسيمُ فصارتْ تميلُ |
إليه الزُّهورُ بحُسْنِ القدود |
يدُ الدَّهْر قدْ سَكبتْ في الوُجود |
جَمالاً يُحرِّكُ قلْبَ النُّجود |
إذا الصبحُ جاء رأيْتَ الدجى لمْ |
يَعدْ رسْمُه ظاهِرًا في الوجود |