ما أن أتم التهام قرن الموز "الصومالي" حتى رمى القشرة على الأرض، فاستنكرت فعلته، وصحت به موبّخا:
- ماذا فعلت؟ هل هذا عمل متحضر؟
قال:
- ماذا تقصد؟.
قلت:
- أقصد رميك قشرة الموز في الطريق العام، أليس من الممكن أن «يتزحلق» بها شخص ما وتنكسر رجله أو يده أو ربما «تنقطم» رقبته؟.
قال باستسلام:
- ممكن!!
قلت: فإذن، أنت تسببت في أذى انسان بريء.
قال:
- هذا صحيح، ولكني في المقابل تسبب في «فتح باب الرزق» لعدد كبير من الناس.
قلت مستهجنا: مش فاهم، هات فهمني!!
قال ضاحكا وباستخفاف:
- عندما يتزحلق في قشرة الموز، وتنكسر رجله أو يده، أو «يتطبش»ماذا يحدث؟.
قلت:
- تأخذ الشهامة بعض الناس فيهرعون لمساعدته وإسعافه.
قال:
- وهذا هو الشيء الطبيعي.
قلت:
- واذن؟.
قال:
- ويحملونه إلى المستشفى في سيارة خاصة أو سيارة أجرة، فيتناوله المسعفون، وتتلقفه الممرضات ليوضع بين يدي الطبيب الذي يشخّص حالته، ويجري له اللازم، فيصف الدواء المسكن، أو المضاد الحيوي، والضمادات واللفافات، وربما يحول إلى قسم العظام في المستشفى فيوضع في الجبس.. يشتري الدواء من الصيدلية التي تشتري أدويتها من المستودعات الطبية التي تستوردها بدورها من شركات الأدوية في الخارج، ثم يحمل هذا «المتعوس» إلى المنزل - هذا إذا لم يبق في المستشفى أياما عديدة- بسيارة خاصة أو سيارة أجرة ينعطف سائقها إلى محطة البنزين في طريق العودة ليعبئها بالبنزين الخصوصي (٩٨ أوكتان)، الذي ندفع ثمنه عملة صعبة، فينقد عامل المحطة ثمن البنزين المكرر في مصفاة النفط التي يعمل فيها كثيرون.. وقد يضطر إلى مراجعة الطبيب عدة مرات إلى أن يشفى، وفي كل زيارة يدفع «كشفية» وقد يشتري عكازا أو دواء إضافيا.. و.. قاطعته بنفاد صبر:
- اختصر، ماذا تريد أن تقول وإلى أين ستصل؟.
قال مستطردا كأنه لم يسمعني:
- وفي فترة المرض أو الاصابة يحتاج صاحبنا إلى غذاء خاص غني بالكالسيوم والكربوهيدرات كاللحم والسمك والفاكهة.. وأنت تعرف أن الثروة الحيوانية لدينا شحيحة وتحتاج إلى علف.. شعير وقمح أو تبن أو غيره وهذا غير متوفر عندنا ونستورده أيضا، والأرض عندنا بور أو عمارات "يعني مفيش زراعة".. واللحم نستورده أيضا إما طازجا أو مثلجا ـ أو قديدا- من الخارج، ويحتاج إلى ثلاجات ضخمة تعمل على الكهرباء، وشركات اللحوم فيها عمال وموظفون يحتاجون إلى رواتب.. فضلا عن الخبز الذي نستورده أيضا، نظرا للعجز في إنتاج القمح الذي نصنع منه الرغيف..
قاطعته:
- يا إلهي!!
فاستدرك وقال:
- قد أكون تسببت في ضرر شخص واحد، ولكني يا عزيزي تسببت في فتح باب الرزق لسائق التكسي أو صاحب التكسي، والطبيب والممرض والمسعف، وعامل النظافة والصيدلي والموظف، وعامل المحطة وصاحب المحطة، ومصفاة البترول وموظفيها، وشركات اللحوم والقمح وبائع الخضار والقمح.. وربما..
توقف صاحبي قليلا ثم أضاف:
- وهكذا تدور دورة المال في المجتمع، وتنقضي حاجات الناس إلى المال والعمل.
فقاطعته صارخا: كفى.. كفى.. فوالله لو تابعت شرحك بهذا المنطق لركبت البلاد كلها- وربما الغرب كله- على ظهر هذا المسكين، ولكن ألا تظن أنك بالإضافة إلى كسر يد أو رجل هذا الإنسان تكون قد خربت بيته؟ من أين له بكل هذه التكاليف في المستشفيات، وهي كما تعرف صارت كلها مستشفيات سياحية "خمس نجوم" وربما نجوم المجرة كلها..
قال:
- قد أكون خربت بيت شخص واحد، ولكني فتحت بيوتا كثيرة يا صاحبي..
صحت به:
- يخرب بيتك، تفتح كل هالبيوت على قفا (هالمعثر)؟.
عندئذ دنا من قشرة الموز ورماها في الحاوية القريبة وهو يقول: - ا.. والله حرام!!
وهنا صحت به ضاحكا هذه المرة:
- على مهلك على مهلك.. لو كل واحد رمى قشرة الموز او غيرها في حاوية مثلك، من أين سندبر ثمن حاويات جديدة، وسيارات نقل القمامة والضاغطات في هذا الظرف الاقتصادي الصعب؟.
قال: وماذا أفعل بها؟.
قلت: دوّرها..اعمل (recycling).
قال: لم أفهم.
قلت: ابلعها.