حكايات جدتي محفوظة
"من قصص الأمثال "
4 ـ القط التائب
زعموا أن قط بدين ، غافل الحراس وقفز علي المسرح المعد للاحتفال بعيد جلوس ملك الغابة علي العرش ، أعلن علي الملأ توبته عن سرقة الطعام من الأوكار وأعشاش العصافير ، سيصوم عن أكل اللحوم والأسماك طوال رحلة الحج هذا العام ، قبل أن يطرده الحراس ، دعا الحاضرين لحفل ساهر في خرابة مهجورة بالغابة ، سوف تذيعه قناة فضائية علي الهواء مباشرة 000!!
أقام سرادق للوداع واستقبل فيه وفود الحيوانات بوجه بشوش ، تمنوا له العودة بالسلامة ثم سألوه بإلحاح أن يدعوا لهم بالصلاح والهداية ، وألا ينسي الهدايا 00!!
لم تحضر وفود الفئران حفل الوداع ولم ترسل مندوباً عنها لعدم ثقتها في القط الماكر ، كظم غيظه
و أصرَّها القط في نفسه ، لم يبح لأحد بما يجول بخاطره 00
جمع القط من أصناف الزاد ما خلا من اللحوم ، أكتفي بطعام نباتي جاف وقرب من الماء القراح ، الطعام لا يسمن ولا يغني من جوع 00
امتطي الفار جمل أعور ، عليه هودج مزين بستائر حريرية خضراء ، يقود من فوقه قافلة الإبل المتجهة إلي الأراضي المقدسة ، تزف القافلة طيور الغابة ، تشدوا بالغناء علي دقات أرجل الحيوانات التي تشبه دقات الدفوف ، ترقص القرود علي جانبي الطريق ، ترفع من علي ظهور الخيل رايات وبيارق بألوان الطيف 000
شقت القافلة صحراء قاسية ترسل شمسها نيران محرقة ، تستغرق الرحلة ثلاث شهور ومثلهم للعودة
تداعب القط الأماني في أن تقبل توبته ، شحب لونه وأصابه الهزال ، غارت عيناه وبرزت عظام الخد والضلوع ، سقط شعر رأسه وحواجبه وتدلت شواربه ، من يراه لا يكاد يعرفه 000
ذاع الهدهد خبر عودة القط من رحلته المباركة ، هرعت الطيور لاستقباله بالغناء ، نعق الغراب فرحاً في الغابة أن القط عاد من رحلة الحج وعليه مهابة 0000
صعد الحاج علي المسرح المعد لاستقباله مرتدياَ جلبابا أبيض وشال وعقال ، علي كتفيه عباءة خضراء مطرزة بخيوط ذهبية ، يحمل مسبحة طولها سبعة أمتار , يوزع البركات وأعواد البخور الهندي ذات اليمين وذات الشمال ، يتلقى تهاني الوفود مبتسماً ابتسامة بلهاء ، كلهم يلتمسون منه البركة قبل أن تدنسه معاصي طباعه ، يدعون له بالقبول وثبات الإيمان ويتمنون له تكرار الزيارة في العام القادم 0
تخرج الوفود محلة بالهدايا ، تمر علي الفئران المختبئة في الشقوق ، تطل غير مصدقة أن القط
صدق في توبته ، 00
عقدت شيوخ الفئران جلسة للتشاور في أمر هذا لقط المكار ، ماذا تفعل حياله ؟ هل تاب وأناب أم طبعه غلاَّب ؟
استقر الرأي علي اختيار فأر فدائي ، ينوب عنهم في تقديم التهاني ، إن عاد سالماً صدقنا القط فيما زعم ،و إن التهمه ، يفتضح أمر توبته وتنكشف حيلته علي الملأ 00
تقدم الفأر المسكين صوب باب السرادق ذائق العينين ، يقدم رجل و يؤخر الأخرى ، طل برأسه داخل الحفلة ، رأي الجالسون علي المقاعد يحتسون القهوة والقرفة ويتمايلون طرباً علي صوت
المنشد ، يجلس الحاج وحده علي المنصة ، يوزع ابتساماته علي الحاضرين دون أن تظهر أنيابه
انتهزها الفأر فرصة وخاطبه بشجاعة
: حمد الله علي السلامة يا حاج 000
سكت المنشد وخيم علي السرادق صمت رهيب ، التفت الأعناق صوب مصدر الصوت ، عادت للقط هيبته ، وقف علي رجليه الخلفية متحفزاً ، تجمعت في عضلاته فجأة شهوته للحم الفئران ، دفعته بقوة دون تفكير إلي القفز لصيد طعامه اللذيذ ، تخطت مخالبه موقع الفأر بمسافة بعيدة ، أطلق المذعور ساقيه للريح غير مصدق أنه نجا من مخالب الحاج بأعجوبة 00!!
انحسر عن رأس القط الشال والوقار وتفرقت حبات مسبحته في أركان السرادق ، بدت للوفود ملامح وجهه الحقيقية ، توجسوا خيفة 00
داعبهم القط مازحاً : " الظاهر اللِّي فينا فينا 00 مهما حاجينا وجينا "
ظل الفأر يلهث في جحره بعض الوقت ، تكالب عليه رفاقه يسألونه بإلحاح
: هل تاب القط واناب أم عاد إلي طبعه القديم
ينظر إليهم وهو في حالة ذهول ، أصابته لوثه ونوبة هذيان , ظل يردد
: "القط بعد ما حاج خطوته وسعت قوي " "القط بعد ما حاج خطوته وسعت قوي "
ثم أغشي عليه ، صبوا علي رأسه ذنوباً من الماء ، لما أفاق أعادوا علية السؤال قبل أن يغشي عليه مرة ثانية قال : عندما تروا مخالبه سوف تعرفون الإجابة
الشربيني خطاب