ذهبت مع أهلي قبل بدء الحرب على لبنان بفترة للبحر الميت ، كانت أمواجه خفيفة هادئة، لقد كان ذاك اليوم يوم الأحد أجمل يوم قضيته في الأردن فهو قد جمعني بحبيبتي رغم البعد الذي بيننا ، قبل رؤيتها كان الشوق يكاد يقتلني من شدته وحدته بل من قوته كان الشوق متوهجا في داخلي ولا يستطيع شيء في العالم إيقافه. إلا أني حينما نظرت إليها مع أن البحر والجبال تفصل بيني وبينها أحسست أنها أمامي مباشرة فخف لهيب الشوق.
من هول ذاك اللقاء أسرت عقلي وقلبي بل وسحرتني، نسيت نفسي وكل من حولي، أحزاني، أفراحي، شوقي، حبي، حنيني ووفائي كل هذا تركته خلفي، كنت فقط أركز على سماعها كنت أسمع أنينها وآهاتها و آلامها و ندائها كنت أسمع عتابها لي على بعدي وفراقي لها ست سنوات متتالية لقد أنبتني لأني خرجت منها طفلة وها أنا سأعود إليها وأنا شابة .كنت أسمعها رغما عن أنوف كل من يحاول إسكاتها. تملكتني مشاعر رائعة تلك اللحظة مشاعر أنستني معاناة الغربة والفراق،مشاعر أضاءت حياتي ودربي، تمنيت لو أستطيع لمس ترابها وتقبيله واستنشاقه، إلا أنها منحتني في ذاك اللقاء مشعلا من مشاعلها فقد أمدتني بالصمود والصبر والقوة والأمل والشجاعة والكرامة والعزة أمدتني بأجمل ما لديها من معان سامية . أثبتت لي أنه مهما حدث فيها من دمار وخراب فهي ستبقى في صمودها كالجبل الشامخ. كان ذاك اللقاء ساعات طويلة إلا أنيا أحسسته لدقائق.
حينما أنبئت أن اللقاء انتهى عدت أدراجي والشوق الذي بات منطفئا لساعات اشتعل من جديد لكن هذه المرة بقوة جعلتني أعجز عن النوم.
عدت للحياة بعد أن كنت قد نسيتها في ذاك اللقاء، عدت لكن هذه المرة إنسانة جديدة تختلف كليا عن تلك السابقة. إنسانة تنتظر اللقاء والعودة من جديد. إنسانة محملة بأجمل المشاعل من موطنها و موطن أجدادها وأهلها فلسطين الصمود.