هذه المقامة تحتاج إلي خلفية بسيطة عن الفلسفة
المقامة الفلسفية
حدثنا فلان بن علان بن تركان فقال :
كنا ذات يوم في المدرج جلوس ، وإذ بصوت يقرع أذاننا كالناقوس ، فقمت مستفهما عن الخبر ومقتفيا للأثر ، حتي أعلم أصل الحكاية ، من البداية للنهاية .
فقال لي احدهم " أولست للفلسفة طالبا ، وفي قسمها دارسا ، فكن لها حارسا ، فهم يقولون أنكم مجانين أو علي الأقل حالمين ، فامسك باليراع وابدأ الصراع وقدم للفلسفة دفاع "
ثم أسرع بالهرب وتركني في غاية العجب من هذا الطلب ، فأخذني التفكير وقلت عليّ أن احسن التدبير لأقدم للفلسفة صورة ، تخرج بها عن حدودها المحصورة ، ولأجعل للزمن آلة ، لأدرس بها كل حالة ، ولأبدأ بسقراط العظيم ، صاحب الفكر القويم ،الذي كان في الأسواق يهيم ، ليجادل كل سوفسطائي ، ويظهر كذبهم للرائي ، فيحدثهم عن معني العدالة ، فيهربون بكل نذالة ، مستخدما التهكم والتوليد ليفضحهم الفضح الشديد ، ولكنه لا يدلي برأي سديد ، فبدا لي كسوفسطائي مريد ، متنكرا في ثوب جديد ، فهو مثلهم يتلاعب بالأفاظ والكلمات ، ولا يقدم جملا تامات ، إذن فهو نصاب ، فلأبتعد عنه قبل أن أصاب ، ولأذهب إلي أفلاطون ، الذي ملأ ذكره الكون ، فبمجرد أن رآني ، جاء وحياني ، وقال لي أنت وهم ، فارتدت كأني أصبت بسهم ، وأشار إلي الشجر ، ومن وراءه للحجر ، وقال تلك أشياء فيها نظر ، إنما الحقيقة في عالم المثل البعيدة ، حيث الحياة السعيدة ، فلم أدر إلا وقد أمسكت حديدة ، حطمت بها تماثيله الجديدة ، فلما هاج وماج وأرغي وأزبد ، وأبرق وأرعد ، قلت له إنها ليست حقيقة فلا تحزن عليها دقيقة .
وتركته حزينا فقابلت أرسطو سريعا فحدثني عن عشر مقولات كجوهر وكيف وكميات ، وكلمني عن علل أربعة ، بدت لي مقنعة ، وحدثني عن نوعين من الوجود ، فلم أجد أي ردود سوي ان له حبل موجود بجميع أسرار الخلود ، ولكن بمجرد حديثه عن الطبيعة ، حدثت بيننا القطيعة ، فقذد كانت آراؤه مريعة : فالشمس حول الأرض تدور ، وأسنان المراة أقل من أسنان الرجل بكسور ، والشرايين تنقل الهواء وربما النور .
غادرت اليونان وأنا أمسك برأسي وقلت في نفسي ، دعك من القدماء فلربما كانوا سفهاء ، ولأذهب للعصر الحديث ، فهو عصر تقدم حثيث .
وقدمت علي ديكارت ، فوجدته شك في كل أساس ، حتي العقل والحواس وأيضا الوجود والناس ، وقال بوجود الشيطان المكار ، الذي يضلل الأفكار ، ومع ذلك فقد كان جالسا أمام النار يستدفيء بلهيبها الحار ، فلو كان يشك في حقيقيتها ما كان استخدم حريقتها ، ولكنه يجلس هادئا ، أولا يكون هذا الإنسان هازئا ؟. فلأترك الأشخاص الفردية ولأذهب إلي المدارس الجماعية .
وبدأت بالوجودية ، فهي تخبرني أن الوجود يسبق الماهية ، وتشدد علي الحرية ، وتأمرني بتحمل المسئولية ، ولكنها تطالبني بالقلق والتوهان ، وتملأ حياتي بالغثيان ، وفيها كثير من العبثية ، وأيضا الإلحاد يجعلها أبية ، فلأحيا مع البرجماتية ، تلك الفلسفة الأمريكية ، المساماة بالفلسفة العملية ، فهي تهتم بالنتائج الملموسة ، بغض النظر عن الحقائق المحسوسة ، فالسرقة مشروعة مادامت تحقق أحلامي القنوعة ، والقتل مباح مادام يجعلني سعيدا في الصباح .
ولن أذكر الماركسية فهي قمة المادية ، وتنفي عني الروحية ، وتجعلني والجماد سواء ، فهل رأيتم مثل هذا الهراء .
وفي النهاية قالت لي فلسفة التحليل ، أن معظم مادرسته أباطيل ، وكلام ليس عليه دليل ، يجعل العقل يعيش في تضليل ، وانبثقت عنهاالوضعية فأعلت من شان المعرفة العلمية ، وقالت إن الميتافيزيقا لغو ، وإن دراستي لها كانت لهو .
فآمنت بالقضية المنطقية ، ذات الأسوار الكلية ، التي تقول باختصار وهندسة ، إن كل دروس الفلسفة ، مليئة بالتخاريف والهلوسة .
تمت بحمد الله
الاربعاء 21/2/2007