كانت......
كانت.....
.................................
كانت ... تطمح لشيء واحد ... ظلت تكرره أمامي مدة إقامتي معها...
" أتمنى أن أختم هذا الكتاب حفظا وإتقانا".....
امرأة مضى من عمرها خمس وثلاثون سنة ....
لم يكتب لها الزواج....
تقفز فرحا كالطفل الصغير ....
لماذا تقفز فرحا ؟ ....
لأنها قرأت علي فأخبرتها أن تلاوتها تحسنت ....
امرأة في الثلاثين .....
تعيش بتفكير امرأة على أبواب الآخرة ....
لا يمر يوم في تلك الغرفة الجامعية... دون أن ترتج جدرانها بصوت ساكنتها...
كانت تلاوتها تملأ جدران الغرفة والرواق والغرف المجاورة....
كنا نفتقد التلاوة حين تغيب لزيارة أهلها ....
امرأة في الثلاثين....
سمعت صوت المزامير فقالت... قومي بنا ننصح القوم....
مشت أمامي بقوة وشجاعة...
ومشيت خلفها بحذر وترقب...
فقد كان القوم الذين تريد نصحهم..... طالبات تحيط بهن الخطورة....
فقد تجد في طريقك من يوقفك بضربة يد.. أو.... خنجر
ثم تكتشف أنه من أعوان القوم....
صعدنا إلى الطابق الرابع من الجناح ( ل )....
فوجئ القوم بوجهين جديدين... وبلباس غريب... غريب على عقول القوم..
ألقت الثلاثينية السلام ... وأشارت إليهم أن دعوني أجلس فقد أتعبتني السلالم...
جلست مرفوعة الرأس ... ناظرة إلى القوم.... متأملة ميوعتهن وأشكالهن.... والباقي من أوصافهن معلوم...
وجلست بجانبها خافضة العينين... أترقب كل شيء... وكل لا شيء..
كان صوت الجهاز لا يزال مرتفعا..
لم تهتم إحداهن لتلك الثلاثينية ولا احترمت هيئتها...
فأصحاب تلك الهيئة في مجتمعنا عادة .... يُحترمون... ويُهابون...
كان القوم كثر.... حوالي عشرين فتاة...
الكل يرتدي الأسود... والكل يرقص بجنون....
فجأة... انبثقت من بينهن فتاة انتبهت لوجودنا فخفضت صوت المزامير..
فبدأت الثلاثينية تتكلم....
نصحت ووجهت... وذكرت بالآيات وحذرت...
والقوم بين مستمع باهتمام ومستمع بازدراء وذاهب وآت... وفارّ من الغرفة برمتها...
فلما تهيأنا للمغادرة... سمعنا أصوات صراخ وبكاء وأوان تتحطم...
وإذا صاحبة عيد الميلاد تبكي على حفلتها التي "أفسدناها" بتطفلنا...
وإذا أترابها يواسينها بلسان حال يقول ... "الله على الظالم"....
بلغ إدارة الإقامة خبر من المستشفى الجامعي..... أن تعالوا لاستلام وديعتكم.... فقد....... قضت
...........................
ماتت رزيقة رحمها الله منذ شهر من كتابتي لهذه الكلمات...
ولم يخبرني أحد... وما سمعت الخبر إلا صباح اليوم...
ماتت إثر عملية جراحية بسبب سرطان في المعدة.....
ماتت امرأة في الثلاثين...
طالبة في المدرسة القرآنية.... في عامها الثالث.....
من منكم مات صديقه؟.....
كيف كان شعورك؟....
أهو مثل شعوري الآن......
دموع تتهاطل كالغيث......
لا أستطيع التحكم فيها أبدا.....
ماتت رزيقة التي لم أرها منذ عام.....
ماتت التي كانت تنصحني وتوجهني...
ماتت التي كانت في مقام أختي الكبيرة......
ماتت الأولى في قسمها.... تلك الممتازة.... التي حيرت إجاباتها عقول معلميها....
ماتت.... تلميذة بن القيم...
كانت تحفظ كلامه عن ظهر قلب.......
مابال هذه الدموع لا تتوقف......
لأول مرة.... تموت إحدى أقرب الصديقات إلى قلبي....
كنت أعتقد أن لي نظرة خاصة إلى الموت...
فكثيرا ما عزيت المفجوعين في أحبابهم بقولي.....
ما هذا الموت إلا همزة وصل... بين الأولى والآخرة .... وإنك ستلقى من فارقت
ولكن.... أدع أن تلقاه في جنات النعيم....
فإذا بي الآن...
أكتشف أني أقول ما لا أفعل....
فمن ذا يعزيني بموتك يا رزيقة؟.....
من يوقف دموعي... ويوقف معها نزيف قلبي؟......
شهر مضى.... ورزيقة تحت التراب.....
اللهم ارحم رزيقة.....
يا رب ارحم رزيقة....
يارب أسكنها الفردوس الأعلى......
يا رب ارحمها بحبها لكتابك.... واجعله أنيسها في قبرها....
يا رب ارحم من قرأ كلامي فدعا لرزيقة بالرحمة.............
ياااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ارب....
..........................