أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: (كتابة) قصة قصيرة. بقلم محمد فتحي المقداد

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي (كتابة) قصة قصيرة. بقلم محمد فتحي المقداد

    كتابة
    قصة قصيرة
    بقلم. محمد فتحي المقداد

    جاءت نهاية الفصل ما قبل الخاتمة من روايته بعد عناءٍ شاقٍّ، وختم بعبارة فضفاضة وردت توًّا من لَاوَعْيه: "البطلة كانت عصبيّة المِزاج خلال تلك اللّحظة، حينما رشقَتْ ماء الكأس بعد أن رطّبتْ شفتيْها"، وقبل أن يُغلق الروائيّ دفتره شهَقَ بعُمقٍ، ويُظنُّ بابتلاعه كميّة من الهواء المليء بالميكروبات الدّقيقة يصاحبها الغُبار النّاعم، وراح يمسحُ وجهه كالمُعتاد، وحاول تجفيف قميصه المُبلّل بجزء كبير من صدره. وقف طويلًا أمام النّافذة قُبالة قُرص الشّمس عند الغُروب.
    اِرْتسمَ وجه أمّه على قُرص الشَّمس بأكمله. رغبةٌ مُلحّةٌ بتقبيلها، هاجَت بداخله ثرثرة، كان بنفسه لو واتته فُرصةً، أو أحدٌ يسمعه؛ ليبثّها، ويُفرِغ صدره من ضيق يُعانيه باستمرار:
    -"لقد كبُرتُ يا أمّي..، وتعبتُ". صوت صرير الباب المُتقطّع ببطء كلحنٍ جنائزيٍّ يُشيّع الشّمس إلى مأواها الأخير؛ قطع عليه مُناجاة أمّه، حرارة جسمه تدفّقت بفَجاجَة غير مُبرّرة، ولم يعُد يشعر برطوبة القميص.
    في الدّقائق الحَرِجة تأتي المفاجآت، ربّما تنقلبُ الأمور رأسًا على عقب.
    -"شيءٌ ما.. اِنْكسرَ هناكَ في المطبخ؛ أتوقّع أنّه لا يتعدّى فنجان قهوة، أو صحن الموالح، ليس غيرها.. تلك القطّة اللّعينة التي تعبث بالأغراض".
    كان راغبًا بالتّحديق بوجه أمّه، المُطوّق بالهالة الذهبيّة المُشربّة بحُمرة الأصيل؛ لتُضيء عتمة دواخله المُنهكة، ولم يكُن راغبًا بترْك موقعه أمام النّافذة إلى حين تباشير قدوم النّجوم. راوده أملٌ بظهور القمر.
    -"ليته يأتي بدرًا، ومعه وجه أمّي" قال لنفسه.
    أرهقه التفكير بطريقة التعامل مع الزُّجاج المُكسَّر، التقط المكنسة بحذر شديد. عيناه تدوران بحركة لولبيّة مُتسارعة وعشوائيّة؛ لتحديد نقطة البدء؛ لجمع بقايا الكأس المُحطّمة الذي رَمَته البطلة. تساءلَ بدهشةٍ:
    -"للآن لم أُدرِك سببَ قذفها للكأس؟. أوه.. يا إلهي!! وجدُّتُها.. سأختِمُ بها".
    بعد أن سحب نفسًا عميقًا، انفرجت أساريره مُستبشرًا، أغلق دفتره، ورجع للنّافذة راجيًا تحقيق أمنيته. شكل غريب اِسْتوطن جانبًا من وجه القمر ذي ملامح بشريّة، بعد تأمُّلٍ لدقائق، ثبت لديْه: على أنّه شكل رجل ذي عمامة. خَطَرت له صورة الرجل "السّيخيّ" ولحيته الكثيفة، سائق حافلة الشّركة التي كان يعمل بها في الخليج قبل ربع قرن بعمامته البُرتقاليّة المُنضدّة بإتقانٍ عجيبٍ؛ ثمّ استحضرته خاطرة عادت بها ذاكرة (الفيس بوك) قبل يوميْن:
    "إبليسُ دخَلَ عِمامَةً، من فوره خرَجَ مذعورًا، ذُهولٌ ظاهر على ملامحه.
    - سُئل: «ولماذا لم تستقرّ فيها؟».
    - : «لم أحتمل ما يجري بداخلها».
    إبليس والمساء يتصارعان، كلاهما ينتظر الظّلام، للاستيلاء على ذهن الكاتب وسحبه إلى ساحته، قبل عودته لدفتره لتدوين ما استجدّ له، وأغلق النّافذة مُسدلًا السّتارة، لرغبته بالعودة للاستلقاء على سريره بملابس العمل. أعضاء جسمه المُنهكة أفسدت حاجته الضروريّة؛ لتناول وجبة المساء المُعتادة، وتأجيلها لوقتٍ آخر.

    عمّان. الأردن
    ــا17/ 7/ 2023

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,137
    المواضيع : 318
    الردود : 21137
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    هى حالة من معاناة الكاتب في الكتابة، وتماهي بين معاناته مع بطلة قصته
    وبين شوقه لأمه الذي جعله يري وجهها وقد ارتسم على قرص الشمس بأكمله.
    ورغبته في تقبيلها وإفراغ ما يثقل قلبه من معاناة في الحديث معها لتضئء عتمة دواخله المنهكة.
    ومع استغراقه في تفاصيل قصته يسمع صوت شيء ما انكسر في المطبخ ليكتشف إنه الكأس
    الذي رمته البطلة ـ ليتسائل في دهشة عن سبب قذفها للكأس فيدله عقله
    فيصيح بسعادة .. وجدتها .. ساختم بها.
    ويظل إبليس والمساء يتصارعان داخل عقل الكاتب قيل أن يعود للكتابة لتسجيل ما استجد عليه.

    قصة ماتعة وسرد شائق متقن الحبكة وبراعة في تصوير معاناة الكاتب في الكتابة
    الفكرة جميلة والأداء قوي والنفس القصي والأسلوب رائعين.
    أهلا بك وبقلمك الذي اشتقنا له
    ولك كل التحية والتقدير.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3

  4. #4
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    العمر : 54
    المشاركات : 3,604
    المواضيع : 420
    الردود : 3604
    المعدل اليومي : 0.55

    افتراضي

    جميل ماقرأته كاتبنا المجتهد، هو هاجس المؤلف وصاحب الموهبة الأصل، وماكتب مابين سطور القصة أطول وأوسع، كل الاحترام.
    فرسان الثقافة